معن الريماوي
تُسخّر دولة الاحتلال الإسرائيلي كل طاقتها لنزع ملكية الأراضي الفلسطينية بالقوة عبر اجراءاتها التعسفية، أو من خلال مؤسساتها المختلفة في الضفة الغربية والتي تعرف عن نفسها على أنها مؤسسات وشركات عقارية واستثمارية، وهي في الحقيقة مجندة لصالح الاحتلال.. “كيرن كييمت” واحدة من هذه المؤسسات وصاحبة الذراع الطويلة في توسيع الاستيطان وتمويله ونهب الأرض الفلسطينية.
ويبلغ عدد تلك المؤسسات في الضفة الغربية، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، 660 شركة وهمية تحمل أسماء عربية ووطنية أحيانا، تقوم بالتحايل على البائعين أو أحد الورثة.
وتسعى سلطات الاحتلال بذلك أن توهم العالم أنها تحاكي القانون، وأن بناء المستوطنات يتم على أراضٍ تم شراؤها.
ولعل كل عمليات الشراء والبيع التي تجري، لا تتم مع شخص يحمل الهوية الإسرائيلية، وإنما عبر تلك المؤسسات، عدا عن الإغراءات المالية، وفق مدير دائرة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قاسم عواد، الذي يؤكد أن أغلب عمليات البيع تتم إما بتزوير تواقيع، أو محاولة الاحتيال على أحد الورثة المتعددين.
مؤخرًا، صادقت إدارة “كيرن كييمت ليسرائيل” أو ما يعرف بالصندوق القومي اليهودي، وهو جهة رسمية، مطلع الأسبوع الجاري على مشروع قرار يقضي بتمكينها من شراء أراض في مناطق تتواجد فيها “مستوطنات معزولة، خاصة في محافظتي نابلس وجنين. ويتوقع أن يصادق نهائيا على مشروع القرار في 22 نيسان/أبريل الجاري.
و”كيرن كييمت” ليست وليدة اللحظة، بل هو اعلان قديم جديد، حيث تأسست في العام 1901 ليكون شغلها الشاغل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي وتخصيصها للبناء والتوسع الاستيطاني. وجرى تجميد عملها لفترات طويلة والاستعاضة عنها بالنشاط الذي يقوم به مجلس المستوطنات “يوشع”.
وحسب مركز مدار للدراسات الاسرائيلية، فقد تم ضخ أموال لـ “كيرن كييمت” في العام 2014 لوحده تجاوز 2 مليار و400 مليون شيقل، حيث تجلب هذه الأموال من رؤوس أموال يهود عبر العالم، ومن دعم حكومي اسرائيلي بشكل غير مباشر.
“هذا أمر خطير جدًا يهدف الى إعادة إطلاق عنان المؤسسة الصهيونية لمنحها صلاحيات واسعة ومكانة قانونية في مجالات سرقة الأراضي والاستيطان واستيعاد أكبر قدر ممكن من المستوطنين للسكن في مستوطنات الضفة”، يقول عواد.
ويضيف أن هذه المنظمة سيكون بين يديها المال الذي ستسعى من خلاله لتجنيد كل شيء من أجل الحصول على قطع أراضٍ أكبر في الضفة الغربية.
ويتابع “كثيرًا ما نرى اعلانات لتلك المؤسسة للترويج لوحدات استيطانية جديدة في كل المستوطنات المقامة في الضفة، وفرض عروض ترويجية على سعر الشقق داخل المستوطنات، حيث أن بعض الشقق سعرها الطبيعي 500 ألف شيقل على سبيل المثال، تقوم بتغطية 60% من ثمن الشقة، وتقوم بفرض برنامج تقسيط ميسر جدًا لتملك هذه الشقق في الضفة”.
وعن المستوطنات المعزولة، أشار عواد الى أن نتنياهو عرفها في صفقة القرن على أنها جيوب استيطانية، وتمت الاشارة الى مستوطنة ألون موريه، وايتمار، وشافي شمرون، وحفاد جلعاد وغيرها، لافتا الى أن كل المستوطنات في الضفة يتم توسيعها.
وقال: إن هناك 5 مناطق ذات أولوية قصوى بالنسبة لـ “كيرن كييمت”: وهي: ضواحي القدس، والأغوار الشمالية والوسطى، ووسط الضفة الغربية تحديدًا بين نابلس ورام الله، ومحيط شارع رقم 5، والمناطق المحاذية لأراضي الـ 48.
وعن حجم نشاطهم، قال عواد إنه لا توجد احصائيات دقيقة خلال السنوات القليلة الماضية، والموضوع صعب جدًا، لأن البيع لا يتم بشكل مباشر لليهود، وإنما عبر وكلاء عنهم يحملون الجنسية الفلسطينية، وهناك متابعة حثيثة من قبلنا في هذا الجانب، ولكن نقول أنه تم إفشال بيع ما مجموعه 40 ألف دونم حاول الاحتلال خلال الـ 5 أعوام الماضية عبر شركاته ومؤسساته الاستيطانية الادعاء بشرائها، ففي محافظة سلفيت وحدها تم استرداد 960 دونما في خربة الراس، من أصل 1250.
وتمكنت حكومة الاحتلال منذ العام 1901 من السيطرة على أرض فلسطين التاريخية بما تقدر مساحته مليون ونصف دونم من الغابات والأحراش، وقامت بزرع 920 ألف شجرة ضمن سياسة تشجير تستهدف طمس معالم البلاد.
وللتصدي لعمليات البيع التي تتم، تسعى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مع القانونيين الدوليين الحصول على قرار يقضي بضرورة منح أذونات بيع وموافقة من الجهات الرسمية في أي عملية بيع تجري في مناطق “ج”، في محاولة لتعقيد عمليات البيع قدر المستطاع.
بدوره، قال المحاضر في كلية الهندسة والجغرافيا في جامعة بيرزيت، والخبير في ملف الاستيطان والجدار عبد الله عبد الله، إنه لوحظ في السنوات الأخيرة أن هناك حركة نشطة ومحاولات دؤوبة لشراء أراضٍ خاصة بمحافظتي نابلس وجنين، وتم شراء مساحات شاسعة في تلك المناطق، وتحديدًا في مناطق جبع، وسبسطية، وياصيد، وطلوزة، وبنت جبيل، وبيت أمرين لربطها مع مستوطنة “شافي شمرون” التي تفصل طولكرم وجنين ونابلس، كما تم شراء أراضٍ في مناطق جنوب غرب جنين بهدف ضمها لصالح مجمع مستوطنات ريحان.
ولفت الى أنه تم بناء مستوطنة “حريش” في وادي عارة وجارٍ توسيعها، وجزء من أراضيها في قرية برطعة بجنين، وهم بذلك يسعون لتوسيع تلك المستوطنة في شمال الضفة الغربية، فهم يقيمون مستوطنة في برطعة تستوعب حوالي 300 ألف مستوطن، والمقصود هو تهويد جزء كبير من أراضي شمال الضفة، وأجزاء من المثلث ووادي عارة، عبر التضييق على الأحياء العربية الموجودة هناك لتكون ضمن المجمع الاستيطاني الكبير.
وقال المتخصص بالشأن الاسرائيلي عادل شديد، إن هذا الإعلان ليس بالجديد، فهو مثار منذ العام 2017، وتحديدًا خلال فترة تولي دونالد ترمب للإدارة الأميركية والتي أعلن خلالها أنه لم يعد يعترف بالمستوطنات كسلوك غير قانوني، وأن الإدارة لم تعد تتعامل مع الضفة كمنطقة محتلة مثل الإدارات الأميركية السابقة.
ولفت الى أن الإعلام العبري أعلن عن شراء عدد من الأراضي في مناطق كثيرة بالضفة، وبالتالي السماح لإدارة “كيرن كييمت” أن تشتري أي شبر من الضفة، وليس فقط في المناطق المعزولة.
وأكد أن إدارة “كيرن كييمت” أعادت شراء أراضٍ في الضفة في العام 2017 بعد أن توقفت منذ العام 1993، وهناك ميزانية سنوية تقدر بمليار دولار من الحكومة الاسرائيلية فقط لشراء عقارات وأراضٍ، وتحديدًا في مدينتي القدس والخليل، هذا غير أموال المتبرعين والمانحين اليهود في اميركا وأوروبا والتي تدخل بشكل مباشر في ميزانية الإدارة.
في هذا السياق، قال الخبير القانوني شعوان جبارين إن طرقا وأشكالا مختلفة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ومسألة شراء الأراضي أو تحويلها وتسجيلها باسم الصندوق القومي اليهودي كأنها أملاك خاصة، وكأن الصندوق ليس ذراعا وأداة أساسية للدولة وللحكومة، وهم يحاولون جاهدين تصويره على أنه جهة خاصة تشتري أراضي ومن حقها أن تتملك، وليس الأمر استيلاء وفق أوامر عسكرية لنزع ملكيات الأراضي لصالح المستوطنين، وهذا هو الالتفاف والتحايل بعينه.
ولفت الى أن قيمته القانونية لا شيء، لأنك تتحدث عن أملاك غائبين وأملاك دولة وأن القوة القائمة بالاحتلال تسيطر عليها في المناطق “ج”، فحكومة الاحتلال ومن خلال مجلس وزرائها وأدواتها المختلفة متورطون بالعملية، وهذا لا يعفي نهائيًا المسؤولية الجنائية عما يتم من خلال نزع الملكية الفلسطينية من الفلسطينيين بوسائل تعسفية وتحايل.
وأضاف “مهم جدًا أن نخرج من دائرة ما يفرضه اتفاق أوسلو في هذا الموضوع، حيث جعل مسألة شراء الأرض وبيعها في المناطق “ج” تحت سلطة الاحتلال وهي صاحبة الصلاحية في ذلك، وهو من يتحكم بالسجلات المتعلقة بالأمر، وهو ما سبب ظهور شركات اسرائيلية تحمل أسما وطنيا ووهميا لتعمل في تزييف الأراضي”.