بلال ظاهر/عرب 48
المستوطنون، وخاصة المتطرفين والإرهابيين بينهم، هم نقطة ضعف الغالبية الساحقة من الإسرائيليين، في اليمين و”اليسار” على حد سواء. ويتعرض الإسرائيليون الذين ينتقدونهم لهجوم شديد، وأحيانا إلى تشويه صورة الذي انتقدهم، مثلما هو حاصل في الأيام الأخيرة لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومير بار-ليف.
وعلى ما يبدو أن بار-ليف وجد نفسه محرجا، خلال لقائه مع نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، بعد أن سألته عن اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين العُزّل، وقالت إن وزارة الخارجية الأميركية تتابع هذه الظاهرة. واستخدمت الوزيرة، وفقا لتغريدة بار-ليف في “تويتر”، كلمة “ظاهرة” لوصف اعتداءات المستوطنين، أي أنها متكررة ومنتشرة.
ويواجه بار-ليف حملة منسقة من اليمين، في الحكومة والمعارضة، بسبب قوله لنائبة الوزير الأميركي إن إسرائيل “تنظر بخطورة إلى العنف من جانب المستوطنين”، وأنه يعمل سوية مع وزارة الأمن من أجل “اجتثاث هذه الظاهرة”.
إلا أن الحقيقة هي أن بار-ليف كذب على المسؤولة الأميركية، لأن الحكومة الإسرائيلية لا تفعل شيئا ضد إرهاب المستوطنين، ولا تعتزم فعل شيء. فمجرد تصريحه بأن الحكومة “تنظر بخطورة إلى عنف المستوطنين” لاقى ردود فعل غاضبة من اليمين، فماذا سيحدث لو عملت الحكومة فعلا على “اجتثاث هذه الظاهرة”؟
ووصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، أن اعتداءات المستوطنين هي “ظاهرة هامشية”، وأنها تأتي ردا على “معاناة المستوطنين من عنف وإرهاب الفلسطينيين”. واعتبرت وزيرة الداخلية، أييليت شاكيد، أن المستوطنين هم “ملح الأرض”، وقال رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، إن حكومة بينيت “تخزي إسرائيل”، ورأى رئيس “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، أن أقوال بار-ليف ضد “عنف المستوطنين” هو “عداء للسامية”.
ويبدو أن بار-ليف بدأ يتراجع ويحاول تبرير أقواله، من دون أن ينجح في ذلك. فقال إنه لم يتحدث في تغريدته عن “إرهاب الفلسطينيين” بسبب العدد المحدود للكلمات التي يمكن كتابتها في تغريدة على “تويتر”. ورد عليه وزير الاتصالات، يوعاز هندل، في مقابلة بالبث الحي في موقع “واينت” الإلكتروني، أن أقواله وتبريره تعكس “انحطاطا أخلاقيا”.
ووفقا لمعطيات منظمة “ييش دين” الحقوقية الإسرائيلية، قدم الفلسطينيون 238 شكوى ضد اعتداءات المستوطنين، من أصل 540 اعتداء، ولم تقدم سوى 12 لائحة اتهام، ويتوقع أن تكون قرارات الحكم فيها مخففة للغاية، لدرجة جعلت الفلسطينيين الذين يتعرضون لاعتداءات المستوطنين يتراجعون عن تقديم الشكاوى. فغالبا تكون هذه الاعتداءات الإرهابية بوجود قوات إسرائيلية لا تحرك ساكنا، سوى قمع الفلسطينيين إذا تصدوا لهذه الاعتداءات. ودعم قوات الأمن الإسرائيلية للمستوطنين وحمايتهم يحظى بإجماع إسرائيلي واسع.
وردود فعل اليمين ضد بار-ليف تعكس الموقف السائد في إسرائيل، وحتى موقف بار-ليف نفسه. فهو تحدث عن “عنف المستوطنين” ولم يجرؤ على وصفها بأنها اعتداءات، وليس متوقعا طبعا أن يصفها بأنها إرهاب.
ولم تكن ردود الفعل الإسرائيلية ضد بار-ليف مفاجئة أو مستغربة. والمستغرب هو بيان وزارة الخارجية
والمغتربين في السلطة الفلسطينية، إن لم يكن مفاجئا. فقد اعتبرت الوزارة في بيان “إنها تنظر بإيجابية لتصريح بار-ليف بشأن اعتداءات وعنف المستوطنين”، وأن التصريح “خطوة أولى في الاتجاه الصحيح”، وأنه “أول اعتراف رسمي من قبل وزير في الحكومة الإسرائيلية بالانتهاكات والجرائم التي يرتكبها عناصر الإرهاب اليهودي بحق الفلسطينيين”.
ربما يعبر بيان الوزارة الفلسطينية عن وهم بأن تصريح بار-ليف ستتلوه خطوات أخرى ضد المستوطنين المتطرفين، وهو ما لن يحدث. وليس مستبعدا أن يطلق بار-ليف نفسه، في الفترة المقبلة، تصريحات ضد الفلسطينيين بعد نشر وسائل الإعلام الإسرائيلية بيان الوزارة الفلسطينية، في سياق دعم الهجوم على الوزير.
وطالبت الوزارة الفلسطينية “وزراء أحزاب الوسط واليسار في الحكومة الإسرائيلية بأن يخرجوا عن صمتهم ليعلنوا بكل وضوح إدانتهم ومعارضتهم لإرهاب المستوطنين واعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين وارضهم وممتلكاتهم، بما يساهم حقيقة في إنجاح إجراءات بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويساعد أيضا في توفير المناخات والأجواء اللازمة لاستعادة الأفق السياسي لحل الصراع”.حتى السيد المسيح عجز عن إظهار هذا التسامح تجاه من صلبه. فوزراء “الوسط” هم أقرب إلى اليمين. وزعيم هذا “الوسط”، يائير لبيد، يدعي أنه يؤيد حل الدولتين، بمقاييس إسرائيلية طبعا، لكنه يؤكد على أن حلا كهذا ليس واردا خلال ولاية الحكومة الحالية. ووزراء العمل لا يصرحون في الموضوع السياسي. ويعني ذلك أن على السلطة الفلسطينية أن تغير إستراتيجيتها تجاه إسرائيل، وتنتقل إلى إستراتيجية واقعية، ليس بالانتقال إلى الكفاح المسلح، وإنما الانتقال إلى رؤية الواقع وتحكيم العقل في النظر إلى إسرائيل، وأن تتوقف عن الاعتقاد غير المبرر بأن محاباتها لإسرائيل سيغير من عدوانيتها تجاههم.