قال مركز “بتسيلم” الحقوقي الإسرائيلي إن قُضاة المحكمة العليا الإسرائيلية سمحوا للحكومة الإسرائيلية بتنفيذ جريمة حرب بإعطاء الضوء الأخضر لترحيل نحو ألف فلسطيني عن منازلهم في مسافر يطا جنوب الضفة الغربية وهدمها.
وقال: “المحكمة العليا – وهي الهيئة القضائيّة الأعلى في إسرائيل – سمحت للدّولة بأن تنفّذ جريمة حرب، مستندة في ذلك إلى تأويل القانون بشكل ملتوٍ وتجاهُل الحقائق بصورة فظة. لقد تجاهل القضاة أهداف إسرائيل الحقيقيّة في هذه المنطقة، تجاهلوا أحكام القانون الدوليّ والتفسيرات المعتمَدة في العالم، وفوق كلّ شيء – تجاهلوا الملتمسين”.
وأضاف: “رفضت المحكمة أن تنظر وترى النّاس الماثلين أمامها، ونجحت في اختلاق عالم مقلوب يظهر فيه وكأنّ الجيش الذي هو من أقوى جيوش العالم، والدولة التي هي دولة عالم أوّل ثريّة هما اللذان وقعا ضحيّة في شرَك بضع مئات من المزارعين ورُعاة الأغنام بائسي الحال والمعوزين الذين تمكنوا من “الغزو” و”الاستيلاء” و”فرض الوقائع على الأرض”. هؤلاء هم الجُناة الخطيرون، ومن الواجب طردهم كي لا يضطروا الجنود الشباب إلى قطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى مواقع التدريب وتبذير الوقت والمال الثمينين. عوضاً عن النظر إليهم كأشخاص ينبغي حماية حقوقهم، ارتأى القضاة أن يصفوهم بأنهم تهديد محقّق لكي يتمكّنوا فقط من تبرير جريمة الطرد التي شرعنوها عبر قرار الحُكم الذي أصدروه”.
وتابع “بتسيلم”: “مجرّد أن يُطلب من سكّان التجمّعات تقديم الإثبات على أنّهم يُقيمون في منازلهم هو أمرٌ يتجاوز المعقول، بل مُهين. منذ أجيال، من قبل أن تحتلّ إسرائيل الضفة الغربيّة، يعيش السكّان هناك حياتهم، يكسبون رزقهم من الأراضي، ويُربّون أبناءهم. لقد محا القضاة هذا كلّه بجرّة قلم، كأنّما لا يجري الحديث هنا عن بشر، وقرّروا أنّ شيئاً من هذا لم يحدث ولذلك يمكن للدولة أن تهجّرهم من هناك”.
وأشار المركز الحقوقي الإسرائيلي إلى أن “الواقع أنّ ما جرى هنا جليّ واضح ولا يمكن عدم رؤيته بكل حقيقته، رغم كلّ الدّيكورات والزركشات. ما جرى ليس مداولة قضائيّة. من المفترض بالقضاة بالطبع أنهم ملمّون بأحكام القانون الدوليّ وتأويلاته المعتمَدة، فكم بالحريّ حين يتعلّق الأمر بمسائل جوهريّة إلى هذا الحدّ وقد عُرضت أمامهم بهذا القدر الكبير من التفصيل”.
وقال: “غير أنّ القضاة ارتأوا مجدّداً أن يخدموا نظام الأبارتهايد. في هذه المرّة عثروا على طريقة يُشرعنون بواسطتها نقل الأرض من السكّان الفلسطينيّين إلى أيدٍ يهوديّة، ويتيحون للنظام أن يستولي على المزيد والمزيد من الأراضي لكي يُواصل سعيه لتحقيق التفوّق اليهوديّ في قطعة أرضٍ أخرى إضافيّة، كجزءٍ من تصوّر أساسي مفاده أنّ الأرض الممتدّة بين النهر والبحر هي مورد لليهود، لليهود فقط”.
وأضاف: “لقد صاغ قرار الحُكم، على النحو الأكثر وضوحاً وعلى يد الهيئة القضائيّة الأعلى في إسرائيل، نظرة سلطات دولة إسرائيل إلى الضفّة الغربيّة: لا القانون الدوليّ ولا أحكام القضاء الإداريّ، ولا مبادئ الأخلاق والعدل بالتأكيد، هي التي ستُملي لإسرائيل كيف تتصرّف. تحديد ما هو ممنوع على الدّولة أن تفعله – وبالأساس، ما هو المسموح لها بأن تفعله – يقرّره الحاكم العسكريّ فقط، وهو الذي يحسم ما اللّائق وما العادل وفقاً لاحتياجات إسرائيل واعتباراتها فقط ودون أيّ شيء آخر”.
وتابع: “ها هنا وصف موضوعيّ للواقع وصياغة دقيقة لنهج إسرائيل في المناطق المحتلّة. المحكمة العليا تساند الدولة في كلّ الأوقات تقريباً وإن درجت على تمويه ذلك بطبقات من الفذلكات البلاغية عن أحكام القانون الدوليّ العُرفيّ، عن التناسبيّة والتوازنات التي ينبغي إجراؤها، عن “الاحتياجات العسكريّة” وعن حدود تدخّل المحكمة في اعتبارات السّلطات. غير أنّ القضاة اختاروا في قرار حُكمهم هذا إزالة المساحيق والتنازل عن هذه الصّياغات الملتوية فسهّلوا فهم موقفهم الحقيقيّ”.
وأشار الى أنه “سمح القضاة للدّولة بأن تنفّذ جريمة حرب. إذا حدث هذا بالفعل فسيتحمل القضاة أنفسهم أيضاً المسؤوليّة عن تنفيذها، لأنّ النقل القسري لسكّان منطقة محتلّة ـ سواء إلى مكان آخر داخلَها أو إلى خارجها – يشكّل خرقاً فادحاً للقانون الدوليّ الإنسانيّ، وهو إحدى الجنايات المفصّلة في نظام روما الذي تعمل بموجبه محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي. في هذه الأيّام يجري المدّعي العامّ لهذه المحكمة تحقيقاً ضدّ إسرائيل. وفقاً لنظام روما، لا حاجة لوجود نيّة لتهجير السكّان بل يكفي معرفة أنّ هذا ما سيحدث باعتباره نتيجة متوقّعة. من المؤكد أن القضاة يعرفون أنّ النتيجة المتوقّعة لقرارهم ستكون تهجير السكّان من منازلهم. لذلك، فإنّ مسؤوليّتهم عن ارتكاب جريمة حرب ليست مسألة نظريّة. ليس أنّهم سمحوا لآخرين فقط بأن يرتكبوا جريمة، بل: هُم شركاء في الجريمة”.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت الالتماسات التي قدمها السكان ضد عمليات طردهم وهدم منازلهم في مسافر يطا، وسط انتقادات وإدانة محلية ودولية ومطالبات للحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن القرار.
شاهد أيضاً
مستوطنون يقيمون بؤرة جديدة في الأغوار الشمالية
أقام مستوطنون، اليوم الأحد، بؤرة استعمارية جديدة في سهل قاعون، غرب قرية بردلة بالأغوار الشمالية. …