بقلم : تيسير خالد
قليلون هم الذين ما زالو يتذكرون قصة ذلك النازي النمساوي يورج هايدر ، الذي تولي لسنوات في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي ومطلع هذا القرن زعامة ” حزب الحرية ” النمساوي ، ذلك الحزب ، الذي تبنى ايدولوجية يمينية متطرفة لا تشبه أيدولوجية الحزب النازي ، الذي حكم ألمانيا بين الأعوام 1933 – 1945 وتسبب في حرب عالمية راح ضحيتها عشرات الملايين من الاوروبيين ، فقط من بعيد . هايدر كان عنصريا فاشيا معاد للأجانب وانتهج سياسة عزل عنصري في المدارس في ولاية كورنتين مركز ثقله وثقل حزبه الفاشي ، وأصر على فصل الطلبة السلوفينين ، وهم السكان الأصليون عن الطلبة الناطقين بالألمانية في المدارس الابتدائية . قاد حزبه الفاشي في انتخابات البرلمان في النمسا ليحصل على 27 بالمئة من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية النمساوية لعام 1999 ، تحالف في إثرها عام 2000 مع حزب الشعب النمساوي بزعامة وولف جانج شوسيل لتكوين حكومة ائتلافية ما تسبب بضجة لا حدود لها في القارة الاوروبية ، قرر في إثرها زعماء دول الاتحاد الأوروبي ( 14 دولة آنذاك ) وقف كافة اشكال التعاون مع الحكومة الائتلافية الجديدة في النمسا وامتنع الكثير من القادة الاوروبيين حتى عن مصافحة أعضاء حكومة شوسيل أو فتح علاقات اجتماعية معهم ،
غير بعيد في الزمان عن يورغ هايدر تطل برؤؤسها في اسرائيل زعامات حزبية أكثر انحطاطا من ذلك السياسي النمساوي وتحتل مواقعها في الكنيست الاسرائيلي وتشارك في حكومات اسرائيل دون أن ينبس أخد في الغرب بشكل عام وفي دول الاتحاد الاوروبي بشكل خاص ببنت شفة .
من بين تلك الزعامات إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ، الأول هو زعيم حزب عوتصما يهوديت اليميني المتطرف والثاني زعيم حزب الصهيونية المتدينة وهما حزبان فاشيان بامتياز ويحظيان برعاية كاملة من زعيم الليكود بنيامين نتنياهو .
إيتمار بن غفير ، محامي معروف بدفاعه المجاني عن المتهمين بارتكاب أفعال إجرامية ضد الفلسطينيين ولسنوات رفضت نقابة المحامين طلبه العضوية بسبب سجله الجنائي . برز اسم بن غفير في كل الأحزاب اليهودية المتطرفة بدءا من “موليدت”، الذي دعا إلى تهجير جميع الفلسطينيين ، مرورا بحركة “كاخ” المصنفة شكلا إرهابية في دولة الاحتلال ، وصولا إلى حزب ” الصهيونية الدينية ” الذي فاز من خلاله بعضوية الكنيست في إبريل/نيسان 2021 .
بن غفير تحدى نقابة المحامين وحصل على شهادة مزاولة المحاماة ، وبرز كمدافع عن عناصر اليمين المتشدد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين ، بما فيه جماعة “لاهافا” اليمينية المتهمة بتنفيذ هجمات ضد فلسطينيين . بن غفير هذا دافع أمام المحاكم الاسرائيلية عن اثنين من الارهابيين ، اللذين شاركا في عمل إجرامي في قرية دوما ، أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد عائلة دوابشة وهم نيام، في تموز 2015، هم أب وأم وطفل يبلغ من العمر (18 شهرا) . بن غفير هذا كان يعلق في منزله صورة له مع الارهابي باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة في الحرم الإبراهيمي عام 1994، راح ضحيتها 29 مواطنا فلسطينيا وأزالها فقط من أجل الترشح لعضوية الكنيست .
بتسلئيل سموتريتش هو الآخر يميني عدواني متطرف ويدعو اسرائيل لتبني سياسة تطهيرعرقي مع الفلسطينيين ، بدءا بفلسطينيي الداخل . وصل إلى الكنيست لأول مرّة في انتخابات 2015، ويدير ” جمعية رغافيم” اليمينية المتطرفة العنصرية، التي تلاحق الفلسطينيين في مناطق 48 و67، وخاصة في مجال الاراضي والبناء، وتحث السلطات الحكومية، على استصدار أوامر هدم بيوت عربية، بحجة البناء غير المرخص، ويبرز نشاط هذه الحركة العنصرية في منطقتي النقب والمثلث . وفي الوقت نفسه يدعو الى فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة . سموتريتس يبدي ولاء منقطع النظير لتراث يستلهم دروسه ونموذجه من سفر يوشع في التطهير العرقي ، فهو لا يكتفي بسياسة التطهير العرقي التي مارسها بن غوريون مع قيام دولة الاحتلال عام 1948 ، ولم يجد حرجا في مخاطبة النواب العرب خلال إحدى جلسات الكنيست بأن دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، كان يجب عليه أن “ينهي المهمة” ويطرد جميع العرب من البلاد عند تأسيس الدولة .
هذه وغيرها من المواقف دفعت “مجلس نواب اليهود البريطانيين”، الذي يضم عددا من المنظّمات اليهودية في بريطانيا، مطلع هذا العام لمطالبة بتسلئيل سموتريتش، بسبب آراءه البغيضة وأيديولوجيته التي تؤجِّج الكراهية ودعت جميع أفراد الجالية اليهودية البريطانية لتوجيهه إلى الباب ( في إشارة إلى طرده) ومغادرة الأراضي البريطانية، حيث كان يقوم بزيارة للترويج لأفكاره في تلك البلاد .
على الضفة الأخرى يجلس بنيامين نتنياهو ، فخلافا لموقف ” مجلس نواب اليهود البريطانيين ” بذل نتنياهو جهدا مضاعفا من أجل الاتفاق بين بن غفير وسموتريتش لخوض الانتخابات القادمة للكنيست في نوفمبر القادم بقائمة واحدة . وقد نجح نتنياهو من جديد في انجاز اتفاق بين بن غفير وسموتريتش بعد مساع بذلها على مدار الأسابيع الأخيرة لتسوية الخلافات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين ، وقد أشاد نتنياهو بالاتفاق واعتبره مطلب الساعة من أجل ضمان الفوز لمعسكره وتشكيل حكومة مستقرة لمدة 4 سنوات قادمة مع زعامات فاشية تضع في تطرفها وفاشيتها يورغ هايدر في الظل .
قديما قال حكيم صيني ( مينسيوس – القرن الرابع قبل الميلاد ) : على الناس التحلي بإحساس العطف عند الخطر ، ليس سعيا وراء مكاقأة او بحثا عن ثناء أو خوفا من لوم إذا فشل في مد يد العون لمن يحتاج العون في لحظة الخطر ، ليضيف : في الإحساس بالعطف والشفقة بداية الانسانية وفي الاحساس بالخجل بداية الاستقامة وبالكياسة واللباقة بداية الذوق وفي الاحساس بالصواب والخطأ بداية الحكمة . تلك بدايات اربع على الانسان أن يتملكها كما يتملك أطرافه الاربعة ، وكل من يعجز عن ذلك يحطم نفسه ، ويبدو ان قادة اسرائيل لم يتعلموا الدرس بعد ، ففي سلوكهم لا تجد مكانا لعطف او شفقة أو خجل أو لباقة ولا حتى الإحساس بالصواب والخطأ .