كتب محمد بلاص:
استشهد أربعة مقاومين، وأصيب نحو 50 مواطناً وصفت إصابات بعضهم بأنها خطيرة، أمس، خلال اشتباكات مسلحة ومواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب اقتحام مخيم جنين، ومحاصرة منزل والد الشهيد رعد خازم منفذ عملية إطلاق النار في شارع “ديزنغوف” وسط تل أبيب، واستهدافه بصاروخ، ما ألحق به أضراراً كبيرة.
وأعلنت وزارة الصحة عن ارتقاء الشهداء: عبد الرحمن فتحي خازم (27 عاماً)، ومحمد أبو ناعسة من مخيم جنين، ومحمد محمود براهمة الملقب بـ”الونة” من قرية عنزة جنوب جنين (30 عاماً)، وأحمد نظمي علاونة (26 عاماً) من مدينة جنين، برصاص جيش الاحتلال، وإصابة العشرات بالرصاص الحي.
وقال مدير مستشفى الشهيد الدكتور خليل سليمان الحكومي في مدينة جنين، الدكتور وسام بكر لـ”الأيام”: إن الشهداء الأربعة ارتقوا إثر إصابتهم برصاص الاحتلال، فيما أصيب نحو 50 مواطناً وصفت إصابات بعضهم بأنها خطيرة، وأدخلوا إلى وحدات العناية المكثفة في مستشفيات الدكتور خليل سليمان الحكومي، وابن سينا التخصصي، و”الرازي” التابع للجنة الزكاة، والتي أعلنت عن حاجتها للتبرع بالدم لصالح المصابين ممّن تركزت إصابات كثيرين منهم في الأجزاء العلوية من أجسادهم، وسط مخاوف كبيرة على حياة عدد منهم.
تفاصيل العدوان
وفي التفاصيل، روى شهود عيان لـ “الأيام”، أن قوات إسرائيلية خاصة من وحدات “المستعربين” تسللت، عند الثامنة والنصف من صباح أمس، إلى حي “الجابريات” المطل على المخيم في الجهة الجنوبية منه، وحاصرت منزل عائلة الشهيد رعد خازم منفذ عملية إطلاق النار في شارع “ديزنغوف” بقلب تل أبيب في السابع من نيسان الماضي، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين على الأقل، وإصابة عدد آخر، قبل استشهاده قرب مسجد في مدينة يافا.
وأكد الشهود أن انفجاراً قوياً هز المنطقة، رجحوا بأنه ناجم عن استهداف منزل الشهيد خازم بصاروخ من قبل إحدى المسيّرات المسلحة، والتي أطلقها الاحتلال بالتزامن مع بدء اقتحام قوات كبيرة من جيش الاحتلال معززة بعشرات الآليات العسكرية وجرافة للمخيم من عدة محاور، وسط اشتباكات مسلحة تعتبر الأعنف من نوعها، والتي خاضها عشرات المقاومين ممّن هاجموا آليات الاحتلال بالعبوات الناسفة والرصاص.
وبحسب الشهود، فإن الشهيد عبد الرحمن خازم تحصّن بداخل منزل عائلته برفقة الشهيد براهمة “الونة” وهو أحد أقاربه، واللذين خاضا اشتباكاً مسلحاً مع وحدات “المستعربين” وقوات الاحتلال الخاصة، ولجآ خلاله إلى فتح نيران أسلحتهما الرشاشة وإلقاء العبوات الناسفة باتجاه تلك القوات التي قامت بتصفيتهما لاحقاً.
وادعى جيش الاحتلال أن قواته دخلت مخيم جنين بهدف اعتقال والد وشقيق رعد خازم المطلوبين لأجهزتها الأمنية منذ اليوم الأول لاستشهاد رعد، وسط اتهامات لشقيق الشهيد رعد بأنه أطلق النار على معدات هندسية تابع لجيش الاحتلال في منطقة حاجز “الجلمة” قبل نحو أسبوعين برفقة الشهيد براهمة، وتخطيطهما لتنفيذ هجمات في العمق الإسرائيلي.
وأكدت القناة “13” الإسرائيلية، في ساعات الصباح الباكر، أمس، ارتقاء شهيدين اثنين داخل منزل عائلة الشهيد خازم، والذي استهدفته قوات الاحتلال بالمخيم، وادعت أنه لم يتم إطلاق صاروخ على المنزل، وإنما تفجير عبوة ناسفة على مدخله.
رفضا الاستسلام
وروى أحد الشهود أن جيش الاحتلال طالب عبر مكبرات الصوت من صنفهم بـ”المطلوبين”، ممّن يتواجدون داخل منزل الشهيد خازم، بتسليم أنفسهم، إلا أنهما رفضا وخاضا اشتباكاً لأكثر من ساعة مع القوات المحاصرة، قبل ارتقائهما.
وفي رواية أخرى لشهود عيان، فإن الشهيدين خازم وبراهمة حاولا الفرار عبر القفز من جدار مرتفع إلى حديقة منزل مجاور بعد نفاد ذخيرتهما واشتباك عنيف خاضاه مع قوات الاحتلال، دون أن يعلما بوجود “قناصة” من جنود الاحتلال على منزل مجاور أقدموا على تصفيتهما من خلال إطلاق عشرات الرصاصات التي اخترقت جسدَيهما.
وبحسب أحد الجيران، فإن الجنود فجّروا بوابة منزل مطل على منزل عائلة الشهيد خازم، وصعدوا على السطح بعد احتجاز العائلة في غرفة مغلقة، وهناك كمنوا للشابين حيث تمّت تصفيتهما بحديقة المنزل، بعد أن تركا لفترة طويلة غارقين بدمائهما.
وقالت “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في تصريح مقتضب: إن مجاهديها تمكنوا من استهداف قوات الاحتلال في محيط منزل الشهيد رعد خازم بالعبوات المتفجرة وصليات كثيفة من الرصاص، وحققوا إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال، فيما دارت داخل المخيم اشتباكات مسلحة بين المقاومين وقوات الاحتلال التي دفعت بتعزيزات كبيرة، فيما شوهد الدخان يتصاعد من المنزل المحاصر.
وكانت قوات الاحتلال فجّرت منزل الشهيد رعد خازم مطلع الشهر الجاري في مدينة جنين.
بدوره، قال أمين خازم عمّ الشهيدين رعد وعبد الرحمن خازم: إن قوات كبيرة من جيش الاحتلال اقتحمت مخيم جنين ترافقها جرافة عسكرية، وحاصرت منزل شقيقه فتحي (أبو رعد) الواقع في شارع “مهيوب” قرب حي “الجابريات”، ودارت اشتباكات مسلحة بين جنود الاحتلال والمقاومين في المخيم، تخللها تفجير عبوات ناسفة، مؤكداً أن الاحتلال قصف المنزل فور الاقتحام وسط انتشار مكثف في محيطه.
وأضاف خازم: إن ما قام به الاحتلال هو تعبير عن حقده على عائلته بعد الهجوم المسلح الذي نفذه الشهيد رعد في “ديزنغوف”، مؤكداً أن الاحتلال يريد استهداف عائلة شقيقه بشكل مكثف، والوصول إلى اغتياله، في محاولة منه للنيل من الرمزية التي مثلها لدى جيل الشباب وإطلاق لقب “جنرال المقاومة” عليه.
وتحت وطأة الاشتباكات المسلحة والمواجهات العنيفة، دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط المخيم والمدينة، وسط إطلاق كثيف للرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، وتحديداً في محيط مدرسة “الزهراء” الثانوية الحكومية الواقعة بمحاذاة المخيم في الجهة الشمالية الشرقية منه، ومجمع المدارس التابعة لوكالة الغوث في المخيم، ما أدى إلى إصابة عشرات الطلبة بحالات اختناق جراء استنشاق الغاز، في وقت اقتحمت فيه قوات الاحتلال روضة أطفال على مشارف المدينة.
والد الشهيدين: راض عنهما
ودعا فتحي خازم، والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن خازم، في أول ظهور له بعد استشهاد ابنه الثاني عبد الرحمن، جماهير الشعب الفلسطيني إلى إعلان اليوم يوم غضب بوجه الاحتلال الإسرائيلي.
وقال خازم الأب لمجموعة من الصحافيين في المخيم: “جنين تنزف، ويجب أن تمتد النار التي تشتعل في مخيم جنين إلى كل أنحاء فلسطين”.
وأضاف: “عقيدتنا تفرغ علينا صبراً، ولن نرضى إلا بما يرضى الله، وأشهد الله أنني راضٍ عن ابنيَّ رعد وعبد الرحمن، فاللهم ارض عنهم، وإنني قدمتهم فداء لله، وهما لم يرفعا إلا راية لا إله إلا الله أمام الاحتلال النازي الذي فتح النار على شعب لا يعرف الهزيمة، ولا يعرف الذل ولا الانحناء”.
ادعاءات الاحتلال
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر عسكرية في جيش الاحتلال قولها: إن قوة خاصة من وحدة المستعربين (يماز) بالتعاون مع وحدات من لواء (الناحال) اقتحمت أطراف مخيم جنين؛ لاستهداف شقيق منفذ عملية تل أبيب عبد خازم، ولكن المسلحين أعدوا كميناً للجنود عبر عبوة شديدة الانفجار على مدخل البيت المستهدف”.
وقالت: إنهم فجّروا العبوة على مقربة من جنود القوة دون وقوع إصابات، فيما سمع دوي انفجار عنيف خلال دخول القوة الخاصة منطقة المنزل المستهدف.
وأشارت إلى أن اللذين كانا داخل المنزل المستهدف، هما عبد الرحمن خازم وأحمد براهمة، واللذين انتظرا وصول القوة إلى البيت لتفجير العبوة.
وأضافت: “توقعت القوة الخاصة هكذا سيناريو، وانفجرت العبوة دون وقوع إصابات، لكن كانت هناك اشتباكات عنيفة في المنطقة”.
وادعت نقلاً عن مصادر عسكرية إسرائيلية، أن الشهيدين خازم وبراهمة اشتركا في عدة عمليات إطلاق نار مؤخراً، منها استهداف جرافة عسكرية قرب حاجز “الجلمة”، وكانا يعدان لتنفيذ عمليات كبيرة في الفترة القريبة المقبلة.
بدوره، امتدح رئيس وزراء الاحتلال، يائير لابيد، العملية في مخيم جنين، مدعياً أنها كانت تهدف لاعتقال عدد من المسلحين المتهمين بالتخطيط لعمليات قتل إسرائيليين، ومن بينهم شقيق منفذ عملية تل أبيب، والذي خطط لمواصلة طريق الدماء، على حد تعبيره.
من جهته، أعلن أمين سر حركة “فتح” في إقليم جنين، عطا أبو إرميلة، الإضراب الشامل في مدينة جنين ومخيمها، والحداد العام في المحافظة، تنديداً واستنكاراً لجرائم الاحتلال.
تشييع حاشد للشهداء
وفي وقت لاحق، شيّعت جماهير غفيرة من محافظة جنين جثامين الشهداء الأربعة في المدينة والمخيم وقرية عنزة إلى مثواهم الأخير.
وانطلق موكب التشييع من أمام مستشفى الشهيد الدكتور خليل سليمان في المدينة، بمشاركة آلاف المواطنين ممّن كانوا يرفعون جثامين الشهداء على الأكتاف ملفوفة بالأعلام الفلسطينية، وسط ترديد الهتافات الداعية إلى الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، والتصدي لجرائم الاحتلال.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية