لا يخلو تاريخ ” بني اسرائيل ” من مثلجة التاريخ ، ومثلجة التاريخ تعني إشاعة الأساطير فيه واعتمادها حقائق تاريخية غير قابلة للنقض او التحريف أو التشكيك . إذا تجولت في العهد القديم وأسفاره تقع عيناك على كم هائل من هذه الأساطير ، التي يحاول سموتريتش وبن غفير تحويلها الى مادة لغسل أدمغة أتباعهم في عصر لا مجال فيه للمثلجة سوى عند من فقدوا الصلة بالتاريخ .
الدعوة ، التي ترددت هذه الأيام في اوساط المستوطنين وزعمائهم أمثال الوزير في وزارة الجيش الاسرائيلي سموتريتش ووزير الأمن القومي الاسرائيلي بن غفير والنائبان في الكنيست من حزب (القوة اليهودية) تسفيكا فوغل وليمور سون هار- ميليخ ، فضلا عن نائب رئيس مجلس المستوطنات في شمالي الضفة دافيدي بن تسيون وغيره من أبناء وأحفاد الحاخام مائير كاهانا ، مؤسس حركة ” كاخ ” الارهابية ، بمحو بلدة حوارة من الوجود تندرج في إطار إحياء تراث غير مشرف ، بل مخجل وكريه يستسهل العودة الى بناء العلاقة مع الفلسطينيين كما لو كنا نعيش قبل ثلاثة الاف وخمسمائة سنة على حد تعبير بنيامين نتنياهو في أحاديثه عن التاريخ .
سفر يشوع يقدم نفسه هنا كنموذج للمثلجة وإعادة كتابة التاريخ في أساطير لا تخلو من الوحشية . فقبل ان يسلم موسى روحه في ظروف غامضة في ارض المؤابيين ، عهد بقيادة ” بني اسرائيل ” ليوشع بن نون ، الذي كانت له هو الآخر قدرة ربانية على المعجزات . هو ايضا اوقف نهر الاردن عن الجريان لتمكين قومه من العبور الى بلاد كنعان على يابسة ، ليقيم معسكرة بالقرب من قلعة أريحا قبل غزوها واحتلالها المزعوم . دار جيش بن نون حول القلعة ست مرات وفي السابعة تعالت اصوات الجنود والأبواق فسقطت أسوار القلعة وأمعن بن نون قتلا في سكانها شيوخا ورجالا ونساء وأطفالا ولم يسلم من المجزرة غير راحاب الزانية . من قلعة أريحا توجه جيش بن نون الى مدينة ” عاي ” الكنعانية ، غير بعيد عن بيت لحم فأمعن كما تقول الأساطير ، قتلا لم يسلم منه جميع الشيوخ والرجال والنساء والأطفال ولا حتى الحيوانات . كانت حملة إبادة وحشية ، كما تروي الأساطير ، فيما يقول علماء التاريخ وعلماء الآثار أن قلعة اريحا تعرضت لدمار قبل ظهور يوشع بن نون بقرن ونصف وأن مدينة ” عاي ” كانت وفق طبقات آثارها التاريخية ، كما يجمع هؤلاء العلماء ، أطلالا قبل يشوع بن نون بأربعة قرون .
بلدة حواره الى الجنوب من مدينة شكيم – نابلس ، ليست قلعة اريحا او مدينة عاي ، فالمكان غير المكان والزمان غير الزمان ، ومع ذلك كانت حاضرة في فكر وسلوك زعران التلال وشبيبة سموتريتش وبن غفير وبن تسيون ، الذين استعادوا التاريخ المخجل للأساطير ودعوا الى محوها عن الوجود . بلدة حوارة هذه كانت مسرحا لجرائم على صلة حية بالحقيقة والحقائق ، التي عاشها العالم وشاهدها هادي عمرو ، الممثل الأميركي الخاص للشؤون الفلسطينية ، كما هي دون مثلجة . هذه البلدة ، التي تتحكم بعقدة مواصلات بين شمال الضفة الغربية ووسطها كانت اقرب في التشبيه الى الأحياء اليهودية في برلين في ليلة الكريستال الألمانية ، التي اجتاحتها قطعان العصابات النازية الألمانية بعد الحريق المفتعل للبرلمان الألماني في نوفمبر من العام 1939 ، وأمعنت فيها تدميرا للممتكات اليهودية وقتلا لمواطني المدينة من اليهود على خلفية عنصرية كريهة ووحشية . بلدة حوارة عاشت ليلة كريستالها على الطريقة الاسرائيلية ، على ايدي زعران التلال وشبيبة سموتريتش ونواب بن غفير وممثل المستوطنين في شمال الضفة الغربية بن تسيون ، الذين أبدوا إعجابهم بوحشية زعران التلال ودعو الى محوها من الوجود ، كما كانت حال قلعة اريحا ومدينة عاي في أساطير بن نون قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة عام .