بقلم: يوعناه غونين
المدرسة الأساسية في جبّ الذيب، شرق بيت لحم، كانت مبنى من الطوب مع سقف من الصفيح. على الجدران تم رسم الأشجار والورود. وعلى التراب الذي يحيط بها تم وضع العشب الأخضر الصناعي، وفوقه وضعت ألعاب ملونة للأطفال. هذا كان في السابق؛ لأن الجيش الإسرائيلي قام، الأحد الماضي، بهدم المدرسة التي كان يتعلم فيها بضع عشرات من الأولاد، من الصف الأول وحتى الصف الرابع.
أُقيمت هذه المدرسة قبل ست سنوات على ارض فلسطينية خاصة بمساعدة من الاتحاد الأوروبي؛ كي لا يضطر الاولاد الى الذهاب سيراً على الأقدام مدة ساعة في الشتاء وفي الصيف الى المدرسة القريبة. عملية الهدم تم تنفيذها في أعقاب سلسلة طلبات والتماسات لجمعية “رغافيم” اليمينية التي ادعت بأن المدرسة بنيت بشكل خطير وبدون ترخيص.
هذا بالطبع ادعاء ساذج. فقد قدم السكان في العام 2012 خطة هيكلية علقت في مكان ما. ورفضت كل طلباتهم للحصول على الترخيص، مثل 99 في المئة من طلبات الحصول على رخص البناء في مناطق ج التي تقع تحت سيطرة إسرائيل. تُحوّل سياسة التخطيط المميزة تقريبا أي بناء فلسطيني في هذه المناطق الى بناء غير قانوني ومؤقت، وهذا بالضبط هو الهدف. الكثير من الفلسطينيين يفضلون الانتقال الى مناطق يمكن فيها البناء والعيش، وهكذا يتم إبعادهم بالتدريج عن أراضيهم.
تفاخرت جمعية “رغافيم” في إسهامها بهدم المدرسة، وقامت بنشر صور لأكوام من الحجارة والأخشاب التي بقيت منها؛ لأنه لا يوجد أي شيء يفرح القلب أكثر من تحطيم أحلام الاولاد. الاعضاء في “رغافيم” يصيبهم الاستحواذ المرضي بشكل خاص بخصوص المدارس. في تقرير من العام 2021 قالوا بأن عشرات المدارس التي بنيت بدون ترخيص (بدون خيار كما قلنا)، “لا يتم بناؤها لاعتبارات التعليم، بل من اجل وضع اليد على أراض لها أهمية استراتيجية”. يبدو أنهم يجدون صعوبة في التصديق بأن الآباء الفلسطينيين أيضا يفضلون أن لا يضطر أولادهم الى السير بضعة كيلومترات كي يحصلوا على التعليم.
في المكان الذي يعتبر فيه آخرون الكتابة والرياضيات واللوح والطباشير دروساً فان “رغافيم” تعتبر ذلك “ارهاباً” تعليميا. في مقابلة اجراها كلمان ليفسكيند في آذار الماضي وصف المستشار القانوني في “رغافيم”، بوعز ارزي، المدرسة في جب الذيب بأنها “مرساة شرعنة” لمخالفات البناء. في كل مناطق ج، حسب قوله فان “اختيار موقع المدرسة استهدف شرعنة بناء غير قانوني”، لأن الدولة تخشى هدم مدرسة. النضال الحازم لجمعية “رغافيم” ضد البناء غير القانوني سيكون مقنعاً اكثر لو لم يكن معظم أعضاء الجمعية يعيشون هم انفسهم في مبان غير قانونية، لكنها تابعة لليهود. على سبيل المثال، حسب تقرير لجمعية كيرم نبوت من العام 2018، المستشار القانوني صُدم في المقابلات من مخالفات البناء، لكنه هو نفسه يعيش في مستوطنة معاليه مخماس في بيت غير قانوني صدر ضده أمر هدم.
مدير عام “رغافيم” ايضا، يهودا الياهو، الذي اختاره الوزير سموتريتش لرئاسة ادارة الاستيطان الجديدة له، يعيش في بؤرة حورشا الاستيطانية في بيت صدر ضده أمر هدم. ومثلهم الكثير ممن عملوا ويعملون في “رغافيم”، وعلى رأسهم الوزير سموتريتش، الذي قام بتأسيس هذه الجمعية والذي بيته في كدوميم بني بصورة مخالفة للقانون. ومثلما يقول المثل العربي “من يعيش في بيت غير قانوني لا يجب عليه إصدار أمر هدم ضد مدرسة للآخرين”.
في الدعاوى للمحكمة يتحدث أعضاء” رغافيم” عن سلطة القانون، ولكن الأخلاق المزدوجة لهم تدل على أنهم لا يهتمون بمخالفات البناء، بل فقط استغلال التمييز التخطيطي من أجل طرد زاحف للفلسطينيين.
عن “هآرتس”