اتفقنا أم اختلفنا مع السيد ابراهام بورغ ، الرئيس الأسبق للكنيست الاسرائيلي ، إلا أن علينا الاعتراف أن الرجل أخذ يتخذ في السنوات الأخيرة مواقف تميزه عن كثير من قادة دولة الاحتلال الاسرائيلي ، الذين يصنفون انفسهم ليبراليين او يساريين في المعسكر الصهيوني . حديثا وتحديدا في الثالث من الشهر الجاري كتب بورغ مقالا في جريدة ” هارتس ” كسر فيه الصمت . هناك نازية يهودية تحكم في اسرائيل في اشارة الى الحكومة الاسرائيلية الحالية يقودها زعماء يؤمنون بعقيدة العرق اليهودي والتفوق اليهودي ، تماما كما النازية الألمانية .
حسب ابراهام بورغ فإن نتنياهو يقود تحالفا من أحزاب تستند الى نفس منطلقات الحزب النازي الألماني ، الذي كان يمجد القومية الألمانية باعتبارها قيمة عليا تعلو جميع القيم ويروج لعقيدة العرق الآري وتفوقه على غيره من الأعراق ، تماما كما يفعل قادة أحزاب الصهيونية الدينية وعدد من قادة الليكود ، الذين يتشاركون معهم في قيادة الدولة .
بورغ أعاد في مقالته الى الأذهان تلك التحذيرات ، التي أطلقها يشعياهو ليفوفيتش في ثمانينات القرن الماضي وحذر فيها من وجود نخب في اسرائيل تتبنى أفكارا نازية تقوم على الايمان بالتفوق العرقي اليهودي ولفت الى ان الاسرائيليين لم ينتبهوا في حينه الى تلك التحذيرات وتعاملوا معها باعتبارها تصدر عن شخص أصيب بالهذيان . النخب ، التي تحدث عنها ليفوفيتش كانت في ذلك الوقت نبتا شيطانيا في أحواض زرع عشوائية ، ولكنها نمت وتطورت مع السنين حتى أصبحت غابة تغطي الساحل والجبل والوادي في دولة الاحتلال وفي مستوطنات الضفة الغربية ببؤرها الاستيطانية ومزارعها الرعوية ، يعبث فيها عربدة زعران ” شبيبة التلال ” و ” تدفيع الثمن ” وجمهور واسع يلتف حول الصهيونية الدينية يوجههم ويقودهم بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير ويغذي هوسهم المجنون بأساطير الماضي حاخامات يتخذون من المدارس الدينية في مستوطنات الضفة الغربية مراكز تأهيل لممارسة مختلف اشكال العنف والإرهاب ضد المواطنين الفلسطينيين في بلداتهم وقراهم على امتداد الريف الفلسطيني .
ولمزيد من المعرفة بصاحب تلك التحذيرات المبكرة ، ليفوفيتش ، فقد ولد هذا الرجل في ريغا ، من أعمال الإمبراطورية الروسية (لاتفيا حاليًا) لعائلة صهيونية متدينة ودرس الكيمياء والفلسفة في جامعة برلين في المانيا وتابع تحصيله في بازل في سويسرا وهاجر الى فلسطين عام 1934 وعايش عن بعد جرائم النازية الألمانية وممارساتها الوحشية ، والتي كان اشدها هولا ” الهولوكوست ” ، الذي تعرض له اليهود انفسهم على أيدي الوحش النازي وكان ناقدا لاذعا للمجتمع الاسرائيلي .
لم يكن ابراهام بورغ وحده معجبا بيشعياهو ليفوفيتش ، بل إن بعضهم في ضوء تحذيراته تلك اطلق عليه لقب النبي يشعياهو ( ليفوفيتش ) ، كما فعل الصحفي الاسرائيلي المعروف بن كسبيت في مقال نشره في ” معاريف ” الاسرائيلية في السادس من ابريل عام 2016 . وللتشبيه فقط ، فإن الانبياء في تراث اليهودية الكلاسيكية كثيرون . صموئيل كان أيضا نبيا قاسي القلب ، ربما أعظم انبياء ” اسرائيل ” وهو الذي مسح شاؤؤل ملكا على اسرائيل دون سابق معرفة ، وأشعيا كان هو الآخر نبيا ولكنه جعل بينه وبين صموئيل مسافة حين وبخ قومه قائلا : ” حين تبسطون ايديكم أستر عيني عنكم , وحين تكثرون الصلاة لا أسمعكم. اياديكم مليئة بالدم ” .
هذه الأيام كثيرة هي الأيادي الملطخة بالدم وكثيرون هم المتعطشون للدم في اسرائيل . ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش نموذجان لقومية وهمية زائفة ومتعالية ، في غابة تيار عنصري يدعي التفوق العرقي وحولهما زعماء قاماتهم في مستوى العشب من رجال ونساء . الأول لا يكتفي بتغليب حرية الحركة في شوارع الضفة الغربية للمستوطنين على الحق في حرية الحركة والحياة للفلسطينيين بل يذهب في نازيته ابعد من ذلك ويقوم بتسليح المستوطنين ويدعوهم للضغط على الزناد في مواجهة مثيري الشغب ، راجمي الحجارة ، والثاني لا يكتفي بالدعوة لفصل المرأة العربية عن اليهودية أثناء الولادة في المستشفيات بل يذهب هو الآخر أبعد من ذلك بالدعوة الى محو بلدة حواره من الوجود أو في أحسن الاحوال وضع الفلسطينيين أمام خيارت ثلاثة ، إما العيش كأغيار مسلوبي الحقوق في دولته الممتدة من النهر الى البحر أو الهجرة الى الخارج مع كل التسهيلات أو يقوم جيش الاحتلال بتصفية الحساب معهم بالقوة . زوجته فرويتل سموتريتش كانت اكثر وضوحا منه في تظهير الصورة النازية حين قالت في مقابلة لها مع رافي ريشف في القناة العاشرة الاسرائيلية إنها ما كانت مستعدة لأن تولدها قابلة عربية ، فهي تعتقد أن لحظة الولادة لحظة طاهرة ، يهودية ، لدرجة انه لا يوجد ما يبرر تدنيسها بايادي عربية .
ولكن هل هذا جديد في فكر وممارسة الحركة الصهيونية وهل نبوءة ليفوفيتش كانت نبوءة يتيمة . الجواب على ذلك هو لا واضحة ، فقد سبق أن حذر اسرائيل شاحاك في كتابه الذي صدر في طبعته الاولى باللغة العربية عام 1994 وحمل عنوان ( الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود ) من السمة الشيطانية للحركة الصهيونية . في ذلك الكتاب الممتع يعرض شاحاك نماذج للتماثل في الفكر والعقيدة بين عدد من قادة الحركة الصهيونية في ثلاثينات القرن الماضي وبين قادة النازية الهتلرية . قواسم مشتركة جمعت بينهم ، تمجيد القومية كقيمة عليا مجردة من ابعادها الانسانية تعلو جميع القيم وتمجيد الانتماء والتفوق العرقي . نذكر هنا بأحد القادة البارزين للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية ومواقفة من صعود النازية الى الحكم في ألمانيا . فقد كان أكثر النماذج المثيرة للصدمة في هذا المجال احتفاء قادة مرموقين في الحركة الصهيونية بانتصار النازية على الليبرالية وفق تعبيرهم ، كما كان حال الدكتور يواخيم برينس ، الحاخام اليهودي ، الذي صعد في صفوف المؤتمر اليهودي العالمي ليصبح نائبا للرئيس وكان مقربا من جولدا مائير وأصبح أحد القادة البارزين في الحركة الصهيونية العالمية . فقد انساق الدكتور يواخيم برينس مع هيستيريا التفوق العرقي على الطريقة النازية وألف كتابا باللغة الألمانية بعنوان ( نحن اليهود – Wir Juden ) تملق فيه الى حد الهوس الايدولوجية النازية حيث قال : سوف يتضح ما تعنيه الثورة الألمانية للأمة الألمانية ( ثورة أدولف هتلر ) في النهاية لأولئك الذين صنعوها ورسموا صورتها . لقد فقدت الليبرالية حظوظها ، الليبرالية تلك الصيغة للحياة السياسية التي ساعدت على اندماج اليهود ، هذه الليبرالية تتعرض الآن للهزيمة . الليبرالية حسب يواخيم برينس ، وهذا غيض من فيض كتابه كانت العدو المشترك لكل من النازية والصهيونية . كتاب يواخيم برينس ذاك يصلح ان يكون هذه الأيام مادة للتربية والتأهيل في مدارس الصهيونية الدينية ويصلح ان يكون كذلك مادة للتربية والتأهيل في الدفاع عن قانون القومية وفي تسويق ما يسمونه الانقلاب على الديمقراطية والنظام القضائي في اسرائيل .