يتعمق العداء في دولة الاحتلال للمنظمات الحقوقية العالمية بل وحتى الإسرائيلية لدورها في كشف جرائم الاحتلال ومدى بطشه بالشعب الفلسطيني وتمارس وسائل اعلام عبرية مختلفة تحريضا واضحا على هذه المنظمات سعيا الى حظر عملها في الأراضي المحتلة. ويأتي هذا التقرير في السياق المعادي ذاته ، وقد ابقينا على المصطلحات كما وردت في التقرير لاظهار عمق العداء والكراهية التي تكنها السلطة الرسمية والاعلام المؤيد لها في دولة الاحتلال.( وطن)
عام 2001، بعد منتدى المنظمات غير الحكومية سيئ السمعة، التابع لمؤتمر الأمم المتحدة، في ديربان، أطلقت حملات المقاطعة التجارية والحملات الإعلامية، وبدأت القوى الدولية في البحث عن القوة السياسية للمنظمات غير الحكومية ومحاولة تعزيزها، ولا سيما تلك النشطة في مجالات حقوق الإنسان، وفي القانون الدولي.
ويضيف الكاتب، بصفتي أكاديمي، فوجئت بعدم وجود أي بحث أو تحليل نقدي حول هذه المسألة. اما اليوم فأقول انه “يجب على الإسرائيليين الترحيب بتمويل منظماتهم غير الحكومية”.
وعلى نحو متزايد، يتم التأكد من ان هذه المجموعات تعتبر لاعبين سياسيين أقوياء، دون ان يخضعوا للمساءلة.
وفي إسرائيل، أظهرت الأبحاث وجود (30) منظمة غير حكومية، جميعها من أقصى اليسار السياسي الإسرائيلي. وقد حصلت هذه المنظمات على مبلغ (500) مليون شيكل (150 مليون دولار) من التمويل الأجنبي، على مدى السنوات ال (5) الماضية. وتستخدم العديد من هذه المنظمات المال لتشجيع شيطنة إسرائيل، بما في ذلك مساعدة منظمة “بي دي أس”، ودعم الادعاءات بوجود “جرائم حرب”، وادعاءات بوجود فصل عنصري، مما يؤجج هجمات “معادية للسامية” في جميع أنحاء العالم.
إن ميزانية قدرها (500) مليون شيكل ستكون مؤثرة على إسرائيل وصورتها، خاصة في غياب المساءلة، والضوابط، والتوازنات، والشفافية.
ورغم انها تحمل اسم الديمقراطية في جزء من اسمائها، الا انها تعاني من عجز ديمقراطي أساسي، بما في ذلك الافتقار إلى الشفافية والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، وبفضل أموال حكوماتهم الأوروبية، تقوم منظمات “بتسيلم”، و”كسر الصمت”، و “ييش دين”، بإغراق المحاكم بالقضايا السياسية، مما يولد لها المزيد من اهتمام وسائل الإعلام.
وفي حين أن مبادئ السيادة، وعدم التدخل في الاعمال الديمقراطية للدول الأخرى، تعتبر أساسية في العلاقات بين الدول، الا ان هذه المنظمات تنتهك تلك القواعد عندما تصبح الحكومات الأوروبية الممول الأساسي لها. وردا على ذلك، اقترح عدد من السياسيين الإسرائيليين تمويل المنظمات غير الحكومية المشاركة في الحركات الانفصالية الأوروبية.
وفي بعض الحالات، وهي قليلة، التي قامت فيها حكومات أجنبية بتمويل منظمات غير حكومية سياسية في الولايات المتحدة، كالمنظمات المعارضة لعقوبة الإعدام، كان رد الفعل السلطات الامريكية عنيفا وحادا، وتدخلت السلطات الامريكية، بكل قوتها، مما أدى الى عدم تجديد المنح لتلك المنظمات.
وهو ما حدث أيضا في الحالة الكندية، حيث تدخلت السلطات مما أدى الى تجميد المنح الموجهة الى بعض المنظمات الكندية الناشطة في القضايا البيئية.
وفي ايرلندا، أعطى التشريع السلطات الحكومية امكانية لعرقلة إعادة تمويل المنظمات غير الحكومية الأجنبية الناشئة “لأغراض سياسية”، بما في ذلك إذا شملت أنشطتها “الترويج للمعارضة”، بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالفعل، حدث ذلك خلال الاستفتاء الأخير على “الإجهاض”، في ايرلندا، عندما منع الإيرلنديون مرور تبرعات من مؤسسة “أوبن سوسايتي”، التي يملكها الملياردير جورج سوروس، إلى المنظمات غير الحكومية المؤيدة للإجهاض في البلاد.
ويشير منتقدو المنظمات غير الحكومية العاملة في إسرائيل، والتي تمولها دول أوروبية، الى قيام تلك المنظمات بتسويق السياسات الخارجية الخاصة بالدول التي تدعمها، تحت عنوان “حقوق الإنسان” و”القانون الدولي”. وينظر الإسرائيليون بخطورة بالغة الى منظمات مثل “جماعة كسر الصمت” و”مركز بتسيلم”، عندما تقوم بالظهور والادلاء بشهادات أمام جمهور مؤثر في الأمم المتحدة، والمجلس الدولي للحقوق المدنية، ومجالس حقوق الانسان، والبرلمانات، والكنائس، والجامعات، والمنصات الإعلامية المختلفة.
ونقلا عن تقارير صادرة عن المنظمات غير الحكومية هذه، فقد حظرت هيئة التدريس في العديد من الجامعات الأوروبية، أساتذة إسرائيليين من التدريس في الجامعات والكليات الأوروبية، بما في ذلك بعض الأساتذة الإسرائيليين الذين كانوا طلبة في تلك الجامعات في سنوات سابقة.
وقالت هذه التقارير ان هذه الفعاليات والمقاطعات الناجمة عن أنشطة المنظمات غير الحكومية، أدت الى إنزال المنتجات الإسرائيلية من على رفوف المتاجر الكبيرة في الكثير من الحالات، بعد ان ربطت المنظمات هذه المنتجات، ومنتجيها، بأنهم “مجرمو حرب”، وانهم مروجون للفصل العنصري. وبالمقابل، لا ينجح الإسرائيليون بتفنيد هذه الروايات حيث يفتقرون الى منصات خارجية على نفس المستوى، مثلما يفتقرون إلى الجولات السياسية الخارجية ذات التأثير الكبير.
وفي السياق الإسرائيلي، تقوم منظمة “المجلس النرويجي للاجئين، ان ار سي”، بإغراق المحاكم الإسرائيلية بقضايا وشكاوى الفلسطينيين، من خلال تقديم مئات القضايا السياسية في المحاكم الإسرائيلية. علما ان برنامج التقاضي في “ان ار سي” يتم تمويله من قبل حكومة المملكة المتحدة، وقد بلغت ميزانيته (أي البرنامج فقط) أكثر من (7.5) مليون دولار.
وفي ذات الوقت، يدير المجلس النرويجي للاجئين، والاتحاد الأوروبي، وممولون آخرون، اتحادا تمويليا (أي كونسورتيوم) لتوفير الحماية والدفاع القانوني للفلسطينيين في الضفة الغربية. وتدعي إسرائيل ان تمويل المنظمات الحكومة العاملة في الأراضي الفلسطينية تتم بدون شفافية، فقد طلبت سلطات الاحتلال عن حجم التمويل الذي تقدمه المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الى تلك المنظمات. غير انه تم رفض الطلب الإسرائيلي تحت أعذار تقنية (حيث اضاعونا بين الكثير من الوثائق، وتركونا ننتظر لفترات طويلة جداً، وفق الكاتب)، قبل التذرع بمخاوف ومزاعم أمنية.
وعلى الاغلب ان سلطات الاحتلال ستلجأ الى تشريعات أكثر تقييدا، في حال فشلت القنوات الدبلوماسية الحالية في الوصول الى المعلومات حول حجم التمويل الأجنبي للمنظمات العاملة في الأراضي الفلسطينية.
ولكل ما سبق، فإن الدعم والتمكين الأوروبي لهذه المنظمات يعتبر بمثابة حرب على جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يؤمن ان شعارات تلك المنظمات-من قبيل “إعطاء صوت إلى من ليس لهم صوت”-هي شعارات حقيقية، وانما اغطية لدعم الفلسطينيين، وهي بالتالي منظمات لا تخضع للمساءلة، ويجب محاسبتها على ما تقوم به من إفساد لمبادئ الديمقراطية، وفق زعم الكاتب.