كشف تحقيق للمركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسليم” ملابسات مقتل قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسعفة (رزان النجار) التي تبلغ من العمر (20 عاماً)، شرقي خانونيس جنوب غزة.
وقال تحقيق بتسليم: “خلافًا للرّوايات العديدة والمتغيّرة التي صرّح بها الناطق بلسان الاحتلال الإسرائيلي، يثبت تحقيق بتسيلم ملابسات مقتل رزان النجّار البالغة من العمر 20 عامًا: إطلاق نار متعمّد على يد عنصر من قوّات الأمن، هو الذي أدّى إلى مقتلها وإصابة اثنين من زملائهما بجروح، حين كانوا على بُعد نحو 25 مترًا من الشريط الفاصل، وهم يرتدون الزيّ الطبّي بحيث يسهل تمييزهم، غير أنّه حتى أمام هذه الملابسات الفاضحة يضمن روتين الطّمس بنهجه الثابت أنّ محاسبة أيّا كان على ذلك، تبقى احتمالًا ضئيلًا.
وأضاف “خلال مظاهرة جرت يوم 1.6.2018 شماليّ خُزاعة الواقعة إلى الشرق من خانيونس- ضمن فعاليّات مسيرات العودة، التي تجري في قطاع غزّة منذ نهاية شهر آذار/ مارس 2018، أطلق جنود النّار مصوّبين عمدًا نحو مسعفين فلسطينيّين كانوا يرتدون زيّ الإغاثة الطبّية وهم على بُعد نحو 25 مترًا من الشريط فقتلوا المسعفة رزان النجّار البالغة من العمر 20 عامًا وهي من سكان خُزاعة كما جرحوا زميليْها.
“بينما كنّا نقف قريبًا من المتظاهرين سمعنا أشخاصًا يصرخون قائلين إنّ شابّين قد أغمي عليهما قرب السّلك اللّولبيّ الشائك الممدود على الأرض على بُعد نحو 10 أمتار من الشريط الفاصل. قرّرنا التوجّه نحو الشابّين لإنقاذهما وكنت أنا ورزان في المقدّمة وقد رفعنا أيدينا فوق رأسينا لكي نهدّئ الجنود ونُفهمهم أنّنا مسعفون. كنّا جميعًا نرتدي “الفِسْت” الطبّي وعليه شعار طواقم الإسعاف الأوّلي. عندما وصلنا إلى الشابّين وشرعنا في نقلهما لإسعافهما أخذ الجنود يطلقون قنابل الغاز علينا وبكثافة. أعتقد أنّهم كانوا يطلقونها من أحد الجيبات العسكريّة. بدأت تظهر أعراض الاختناق على رزان ورشا فطلبت من محمود أن يهتمّ بإسعاف رزان بينما أهتمّ أنا بإسعاف رشا. بعد ذلك ابتعدنا نحن الأربعة عن الشريط وبقي هناك شباب ومسعفون تمكّنوا من إنقاذ الشابّين المصابين جرّاء استنشاق الغاز”.
ويضيف أبو جزر بحسب تحقيق بتسليم “بعد أن ابتعدنا شعرنا بتحسّن فقرّرنا متابعة مهمّتنا الإسعافيّة وتوجّهنا لنقف قريبًا من المتظاهرين. وقفنا على بُعد نحو 10 أمتار منهم ونحو 25 مترًا من الشريط. لم يكن في جوارنا أيّ متظاهر. عند الساعة 17:45 تقريبًا رأينا جنودًا ينزلون من جيب عسكريّ ويركعون ويصوّبون سلاحهم نحونا في وضعيّة قنص. كانت رزان تقف إلى يميني ورشا خلفي – وكنّا نتحدّث. فجأة أطلق الجنود علينا عيارين ناريّين. نظرت إلى رزان فوجدتها تشير إلى ظهرها ثمّ وقعت أرضًا. بعد ثانية واحدة وقعت أنا أيضًا لأنّ عيارًا أصابني فوق الرّكبة اليسرى. لاحقًا قيل لي إنّ رزان أصيبت في الجانب الأيسر من الصّدر ومحمود أصابته شظايا في يده اليمنى وفي منطقة الحوض”.
ويتابع “نقل أعضاء الطاقم الطبّي رزان وهي مغمًى عليها إلى خيمة الإسعاف الميداني في منطقة الخيام. من هناك تمّ نقلها في سيّارة إسعاف إلى المستشفى الأوروبي الواقع جنوبَ خان يونس حيث استمرّت محاولات إحيائها نحو نصف السّاعة ثمّ أعلنت وفاتها. أيضًا رامي أبو جزر ومحمد عبد العاطي نُقلا إلى المستشفى الأوروبي وبعد إخراج الشظايا ومعالجة جروحهما غادرا إلى منزليهما في اليوم نفسه”.
والدة رزان – صابرين النجّار (43 عامًا متزوّجة وأمّ لستّة أولاد وهي من سكّان خُزاعة) أدلت بإفادتها يوم 1.7.2018 أمام الباحثة الميدانية لبتسيلم ألفت الكرد، تحدّثت صابرين عن ابنتها قائلة:
“كانت رزان فتاة بريئة محبّة للحياة دائمة الابتسامة. كانت تحلم أن تدرس التمريض في الجامعة لكنّ وضعنا الاقتصادي لم يسمح بذلك فاكتفت بدورات الإسعاف الأولي في مستشفى ناصر في خان يونس. عندما دعوا للخروج في مسيرات العودة عند حدود قطاع غزّة كانت رزان بين أوائل من تطوّعوا لتقديم المساعدة وذلك لشدّة إيمانها بالعمل الإنسانيّ. كنت أراها وهي تعمل متطوّعة في المظاهرات تتنقّل مثل فراشة وتركض من هنا إلى هناك لتقدّم العلاج للجرحى. كنت فخورة لرؤية رزان وهي تعمل في الميدان وكنت مطمئنّة عليها لأنّها مسعفة. اعتقدت أنّ الجيش الإسرائيلي لن يلحق بها الأذى”.
وأضاف “يوم الجمعة في ساعات المساء اتّصل جارنا وأخبرنا أنّ رزان قد أصيبت. فورًا هاتفت زوجي واتّجهنا مباشرة إلى المستشفى الأوروبي جنوبَ خان يونس. هناك وجدنا أنّها في غرفة العناية المكثّفة. قلت للحرّاس أنّني أريد رؤيتها لكنّهم لم يسمحوا لي. لم أستمع إليهم دفعت الباب بقوّة ودخلت إليها. رأيتها ممدّدة بلا حراك. ضممتها وقلت لها: “رزان انهضي! إنّه فقط غاز مسيل للدّموع قومي ماما قومي ياحبيبتي”. كانت كلّ ملابسها ملطّخة بالدماء. أخذت أبكي وأصرخ حتّى شعرت بأنّ روحي تفارقني. لقد أدركت أنّني لن أراها ثانية. لقد فقدت ابنتي ولن تعود إليّ أبدًا. لن أستطيع أن أضمّها من بعد الآن.
وتتابع “حياتي صعبة جدًّا من بعد موتها. أحيانًا أناديها عندما نجلس لتناول الطعام لأنّني أحسّ أنّها لا تزال معنا ولم تمت. الأمر صعب بالنسبة لجميع أفراد العائلة. إنّي أصلّي لأجلها ليل نهار وأدعو الله أن يتغمّدها برحمته ويدخلها جنّته. فراقها صعب جدًّا. ما الذي فعلته رزان لكي يقتلوها هكذا؟
حاول الناطق بلسان قوات الاحتلال التنصل من مسؤولية الجنود الإسرائيليين عن مقتل رزان النجار. في البداية أعلن أنّ الجنود الذين أطلقوا النار في المنطقة لم يصوّبوا أبدًا نحو المكان الذي كانت تقف فيه. لاحقًا أعلن أنّ رزان النجّار قُتلت على ما يبدو جرّاء إصابتها “بشظية رصاصة” وفي نهاية المطاف زُعم أنّها عملت كـ”درع بشريّ لتحمي مثيري الشّغب”.
مقابل هذه الرّوايات الكثيرة التي صدّرها الاحتلال وقائع الحادثة لا تقبل الشكّ: يثبت تحقيق بتسيلم أنّ أحد عناصر قوّات الأمن قتل رزان النجّار البالغة من العمر 20 عامًا عمدًا وبتصويب مباشر نحوها من مسافة تقارب 25 مترًا – رغم أنّها لم تشكّل خطرًا عليه أو على أيّ شخص آخر وعِلمًا أنّها كانت ترتدي زيّ الطواقم الطبّية.
وقال تقرير بتسليم ” مقتل رزان النجّار يعتبَر نتيجة مباشرة لسياسة إطلاق النّار التي تتّبعها إسرائيل منذ بدء مسيرات العودة. وقد باتت معلومة النتائج الفتّاكة لهذه السياسة: منذ بدء المظاهرات في 30.3.2018 قُتل جرّاء تطبيق هذه السياسة 127 متظاهرًا بينهم 18 قاصرًا على الأقلّ ومعظمهم لم يشكّل خطرًا على قوّات الأمن الذين انتشروا في الجانب الآخر من الشريط الفاصل. إضافة إلى ذلك أصيب أكثر من 4100 شخص جرّاء إطلاق الأعيرة الناريّة. استهدفت هذه السياسة أعضاء طواقم الإغاثة الطبّية أيضًا. هكذا في 14.5.2018 – وقبل مقتل المسعفة رزان النجّار بأسبوعين – قتلت قوّات الأمن المسعف موسى أبو حسنين البالغ من العمر 34 عامًا خلال مظاهرة جرت شرقيّ مخيّم جباليا للّاجئين. تفيد المعطيات التي نشرتها منظّمة الصحّة العالمية أنّه حتّى 10.7.2018 كان عدد المسعفين المصابين قد بلغ 357 مسعفًا، حيث أصيب 26 منهم بأعيرة ناريّة و37 جرّاء إصابة مباشرة بقنبلة غاز و12 أصيبوا بشظايا ولم تردْ تفاصيل حول بقيّة الإصابات، كذلك استُهدفت 58 سيّارة إسعاف.