عميره هاس
الطائرة الورقية الحارقة تكلف بين 4 شواقل– 20 شيقلا، حسب حجمها. ان نجاح هذه الأداة في احراج والتشويش على الجيش الأقوى في المنطقة وفي التسبب بأضرار مادية للكيبوتسات الخضراء، التي تقع على أراضي قرى فلسطينية دمرت في العام 1948، هو مصدر فخر للكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة وخارجه. ثانيا، يتضح الابداع والقدرة على الاختراع لشباب القطاع – قال بانفعال من ارادوا التطرق لهذه المرحلة الجديدة من تحدي الاحتلال الإسرائيلي.
الانفعال من الابداع ومن احراج الإسرائيليين غطى في البداية على حقيقة أن مطلقي الطائرات الورقية لم يوضحوا اذا كان لهم هدف سياسي محدد لها وما هو، اكثر من “حق العودة ورفع الحصار” (الشعاران الدارجان اللذان تم اطلاقهما مرة واحدة يناقض احدهما الاخر كما اكد عدد من المتحدثين الانتقاديين معي). فقط بالتدريج تمت صياغة الأهداف وليس واضحا اذا كان ذلك قد تم على ايدي مطلقي الطائرات أو محللي الظاهرة ومن يبررونها. وها هي الأهداف: التعبير عن الغضب الجماعي والشخصي، الإجابة على القناصة الإسرائيليين الذين اطلقوا النار على متظاهرين غير مسلحين واصابوهم إصابات بالغة وقتلوهم، قطع الحدود بطرق أخرى وخلق ميزان رعب مع غلاف غزة الى حين رفع الحصار. لا احد يقول أي حصار بالضبط: الذي تم تجديده قبل اربع سنوات أو الذي تم تخفيفه قبل سنتين. فقط على البضائع أو أيضا على حركة الأشخاص. التردد الإسرائيلي الذي يعرض حياة الناس للخطر باعطاء تصاريح خروج للمرضى او منع الطلاب من التعلم في الضفة الغربية؟.
من يحللون الظاهرة في القطاع يرون أيضا امام اعينهم مطلقي الطائرات الشباب: ملوا من عدم وجود عمل، محبطين بسبب عدم القدرة على اعالة عائلاتهم، الاستيقاظ في الليل والنوم حتى وقت متأخر في النهار، محبوسين في قفص، مقطوعين عن العالم وفجأة يتحولون الى مركز الاهتمام وأن لهم قيمة.
ربما أن صياغة اهداف سياسية معينة هو طلب مبالغ فيه ممن اخترعوا أسلوب الطائرات الورقية الذين تتراوح أعمارهم بين 17 – 22 سنة. الطائرة الورقية الحارقة الأولى تم تجريبها في 11 نيسان في منطقة البريج، القريبة من الخط الأخضر، في احد المخيمات التي اقيمت في 30 آذار كنقطة بداية لمسيرة العودة. بعد ذلك انتشرت الطريقة الى خيام عودة أخرى. التقارير الصحفية تحذر من الكشف عن هوية المخترعين بأسمائهم. الأوائل اعلنوا عن انفسهم كاحفاد “الزواري” – على اسم محمد الزواري المهندس التونسي الذي طور طائرات بدون طيار لصالح الذراع العسكري لحماس عز الدين القسام وقتل في نهاية 2016. القتل منسوب لإسرائيل. ان اختيار الزواري يشير الى علاقة تعاطف مع حماس ولم تكن علاقة تنظيمية. “احفاد”، هو تعبير مع إشارة الى سخرية غزة، يشير الى وعي المسافة التكنولوجية بين الطائرات بدون طيار والطائرات الورقية.
بعد ذلك تطور الاسم الى “وحدة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، أبناء الزواري”. الانتقال الى أبناء والى وحدة يشير الى مأسسة الظاهرة وتبنيها من قبل حماس. ربما تكون الطائرات الورقية رخيصة لكن اطلاق عدة آلاف في يوم واحد كما تعهد المتحدثون باسم الوحدة بالقيام به في عيد الفطر في منتصف الشهر الماضي، يقتضي مستوى آخر من التنظيم. اطلاق بالونات الهيليوم أمر اسهل، لكن كل بالون اغلى من الطائرة، لهذا فان استخدامها اقل انتشارا، وفقط جهة منضبطة وممولة يمكنها اطلاقها بكميات يمكن مشاهدتها.
التبني الرسمي لهذه الطريقة يثبت بالأساس تصميم حماس على السيطرة على ما يجري. ولكن هذا لم يتم استقباله بدون انتقاد. ممثلو تنظيمات سياسية أخرى الذين كانوا شركاء في تنظيم مسيرات العودة احتجوا انه بهذا، وسيلة نضال رمزية وشعبية، أي بطرق سلمية غير عنيفة، تخرب الهدف الأصلي وفي اللحظة التي يكون فيها منظم من اعلى يتحول ليصبح وسيلة عنيفة. يجب الافتراض أيضا أن غيرة الكتاب كانت موجودة هنا: مرة أخرى حماس تأخذ السبق.
وكما تطور في السابق مطلقو صواريخ القسام اصبحوا مهنيين، ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة اصبح هكذا مطلقو الطائرات الورقية: تعلموا ما هي العلاقة الصحيحة بين المسافة التي تفصلهم عن الحقول الواقعة خلف الجدار، وسرعة الرياح وطول الذيل. “وحدة الطائرات الورقية” أعلنت في مؤتمر صحفي عن تطوير نوع جديد من الطائرات الورقية يمكنه أن يطير لمسافة 48 كم، بعد أن وجدت آثارا لطائرات ورقية في بيت شيمش في الأول من شهر تموز. ومثل الاخوة الكبار في عز الدين القسام أيضا هنا يحبون رفع التوقعات. للشباب المعزولين عن العالم فان تطوير وسيلة نضال وزيادة المهنية هي نجاح وانتصار بحد ذاتها، انجاز شخصي. لقد تم نسيان حقيقة أنه ليس فقط لم يرفع الحصار بل تعزز.
وحدة الطائرات الورقية أيضا ارادت التعبير عن استقلالها عندما أعلنت هذا الأسبوع (الماضي) انها “لا تأخذ الأوامر من أحد” وأن التقارير عن قرار وقف اطلاق الطائرات الورقية الحارقة هي دعاية إسرائيلية. هذه العملية معروفة في المجموعات المسلحة: الوسيلة تصبح هدفا وحتى هدفا مقدسا.
اثناء كتابة هذه السطور، أمس (الأول) بعد الظهر، جاءت تقارير عن خلية طائرات ورقية أصيبت بالنار الإسرائيلية، وعن قتيل فلسطيني وثلاثة مصابين وعن قذيفتين تم اطلاقهما ردا على ذلك من القطاع. التراث الفلسطيني هو ان انتقاد وسائل النضال الذي ترسخ كهدف مقدس، يسمع أولا في لقاءات مغلقة أو في محادثات بين الأصدقاء. وبعد ذلك يهمسون لآخرين بأن فلان من الجهاد الإسلامي يعبر عن القلق من أن الطائرات الورقية ستجر القطاع الى حرب شديدة. ومجهول من حماس يصرح نفس الشيء. بعد ذلك تبدأ بالظهور منشورات كهذه في الفيسبوك ومقالات علنية.