“ترانسفير زراعي هادئ: جيش الاحتلال الإسرائيلي يطرد رُعاة فلسطينيين من أراضيهم لغرض التدريبات العسكريّة”
الكاتب: جدعون ليفي وأليكس ليبك
هآرتس- ترجمة امين خير الدين
على الأقل أربع مرّات في الشهر الماضي أمِر سكان قرية إيبزيق في شمال غور الأردن لترك بيوتهم والمبيت تحت قُبّة السماء. ويحرس الجنود من أن أحدا لن يرجع، ومن المُفضّل عدم حراسة الأثاث. وعند عودتهم أكتشفوا أن حقولهم قد حُرِثَت بمجنزرات الدبابات وان المحصول قد دُمّر …
ألأرض هنا هي التي تحكي الحكاية. حقول المحاصيل المخضرة الآن، على خلفية اللون الداكن للأرض الخصبة، جفاف الصيف المُسْتَبْدل بوحل الشتاء. هذه الأرض المجروحة الآن. الحقول الجميلة مُدمّرة بجنازير الدبابات، تحفر خطوطا داكنة اللون تبيد القمح والشعير الأخضر وتدمّر المحصول.هذه هي حقول خِرْبة إيبزيق، مجموعة من الرعاة شمال قرية تياسير في شمال غور الأردن، أراضٍ خاصّة يسكن بها فلاحون فلسطينيون ورعاة من البدو يربّون أنعامهم ويفلحون الأراضي التابعة لسكان طوباس القائمة في أعلى الجبل.إسرائيل الطامعة بأراضي الغور وتعمل كلّ ما باستطاعتها لتفريغ هذه الأرض من سكانها الأصليين، تختار استفزاز مجموعات صغيرة في البداية، رُعاة الأغنام والأجيرين، من الفلسطينيين والبدو. هؤلاء يمكن ترحيلهم من بيوتهم ومن أراضيهم ولفترة مؤقتة بالتلويح بأمر عسكري، تحت غطاء احتياجات أمنيّة وتدريبات عسكريّة مُنْتَحَلَة. بترحيلهم المرة تلو المرّة. هل رحّل حتى الآن جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان بؤرة استيطانية كي تقوم قواته بالتدريبات في حقولها؟ هل دار في خلَدِ أحد ترحيل عشرات العائلات من المستوطنين ليوم واحد وإبقاؤهم في العراء تحت قبّة السماء، حتى يُنهي جيش الدفاع الإسرائيلي تمرينه؟ هل سكان المستوطنات القريبة بقعوت، مشكيوت، مخولا وروعي، اضطروا مرّة للخروج من بيوتهم لليلة واحدة أو لنهار واحد، كي يتمكّن الجنود من التدريب على أراضيهم وعند عودتهم وجدوا أن بيوتهم قد دُمِّرت بجنازير الدبابات؟يترك الأبرتهايد هنا بصماته على الأرض. لا مثيل للغور كي يثبت وجود الأبرتهايد المؤلم، العنيف، الوقح المغرور، حيث لا يترك أيّ مجال للشك في إثبات وجود نظام الفصل العنصري. أهالي خربة إيبزيق كالسكان السود، يمكن أن تفعل معهم أيّ شيء: إخلاءهم من بيوتهم بأطفالهم وشيوخهم بأمر من ضابط ، عودة وانعطاف، ويمكن اقتحام حقولهم وكأنها مناطق مُباحةة.أُمِرَ سكان خربة إيبزيق في الشهر الأخير بإخلاء خيامهم من أربع – ستّ مرات. 13 عائلة تعدّ 70 شخصا، منهم 38 طفلا، أُجْبِروا على المبيت عدّة ليالٍ خارج بيوتهم في التواريخ التالية 16 ،23 ،26، و-31 من شهر ديسمبر/ كانون الأول . وأُبْلِغَت عائلتان من أل-13 عائلة بأوامر إضافية بطردهما أيضا في ليلتي 17 و- 18 من نفس الشهر.
نكبة مستمرّةوصلنا هذا الأسبوع إلى خربة إيبزيق في اليوم الذي كان من المقرر فيه الإخلاء الأخير من سنة 2018. في مساء اليوم السابق اتصل مجهول باسم يغئال من الإدارة المدنيّة وأبلغ أحد السكان أن الإخلاء المُقرر قد أُلْغي. لكن من الممكن أن يكون إخلاء آخر يوم الأحد القادم. مختار السكان البدو في المنطقة، عماد خروب تركمان، يبدو هذا الأسبوع مسرورا، عندما وصلنا إلى خيمته الزرقاء، حيث كلمة مختار مكتوبة على رقعة من الخيمة.الفرح هنا لا يكتمل أبدا: خشي تركمان من أن يكون بلاغ الإلغاء بلاغا كاذبا، وخشي من أنه مع ذلك قد يجيء الجنود لإخلائهم ، ولهذا زادت الشكوك، تحركت عقارب الساعة يوم الإثنين، وارتفعت الشمس في عليائها ولم يظهر جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأفق.الصور وأشرطة الأفلام للإخلاء الأخير، كان آخرها في الأسبوع الماضي، قد صُوِّرَت من قبل محقق منظمة بتسيلم، عارف دراغمه، من مواطني المنطقة، هذه الصور وهذه الأشرطة تحكي الحكاية. تُظْهِر السكان وهم يمشون صامتين في طابور الواحد وراء الآخر، ترافقهم سيارات الجيب التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والإدارة المدنيّة وتدفعهم من الخلف، كي لا يهربوا لا سمح الله. لا يمكن لهذه الصور ألاّ تذكّر بصِور نكبة 1948، النكبة التي لم تنته هنا أبدا.أصل عائلة المختار تركمان من قرية قريبة من حيفا، كما يروي. تظهِر في فيديو الإخلاء الأخير مُدرّعات الجيش الإسرائيلي وهي تقتحم حقول الرُعاة المزروعة وتسحقها تحت جنازيرها الفولاذية. يقول المُحقّق دراغمه أن جموع الرعاة في شمال الغَوْر أُمِروا بالإخلاء ما لا يقلّ عن مائة مرّة في السنوات الخمس الأخيرة. أقصر إخلاء كان لخمس ساعات وأطول إخلاء ل– 24 ساعة.الطريق الوحيدة المؤدّية إلى هنا هي طريق ترابيّة طويلة وملتويّة، تبدأ من بلدة تياسير. هذه الطريق موحلة الآن، وتجمّعت في مقاطع منها كميّات من المطر تحوّلت إلى موحلة. حتى بدون ذلك يخاف السكان من الوصول إلى هنا بمركباتهم، لأن رجال الإدارة المدنيّة وجيش الدفاع الإسرائيلي قد يصادرون منهم تنادرهم وسيارات الجيب الخاصّة بهم، كما فعلوا معهم أكثر من مرّة في الماضي.يقول تركمان إن 13 سيارة تندر أو جيب صودرت منهم في السنوات الأخيرة، بحُجّة أنها دخلت منطقة عسكريّة مُغْلَقة. وعادة ما يسترجعون مركباتهم بعد مضي عِدّة أشهر وبعد دفع غرامة من 1500 – 2500 شيكل. لذلك يبقون أحيانا بانقطاع تام، بدون أيّة وسيلة مواصلات. عليهم إحضار الماء بصهاريج من أماكن بعيدة، وطبعا لا يوجد اتصال كهربائيّ، ولعدو وجود مركبة في ساعات الطوارئ، فإنّ نقل أيّ مريض أو امرأة تلد إلى علاج طبّيّ يتحول إلى معاناة شديدة وبطيئة. أحيانا يخبئون الجرارات بين الصخور، كي لا تُصادَر. وأحيانا يبعثون مراقبين على الطريق، ليتأكّدوا من عدم وجود قوات عسكريّة أو إدارة مدنيّة، وعندئذ يهرّبون صهريج ماء بواسطة جرّار.يجلس تركمان حافيا في خيمته، المزوّدة بموقد يعمل على الحطب، وتخرج منها مدخنة. تصطفّ أغنامة في حظيرة قريبة، عمرُه 45 سنة، أبٌ لستة. بعث بابنه البكر إلى جنين، ليعمل هناك بالبناء، عائلته، كما يقول، رُحِّلَت مؤقتا في السنوات الخمس الأخيرة حوالي 40.
قانون ونظاموهكذا يكون التنفيذ: قبل موعد الإخلاء بأسبوع، تصل قوّات الجيش والإدارة المدنيّة إلى المنطقة، يمرّون من خيمة إلى أخرى، يوزّعون أوامر الإخلاء. بطلبون من الأهالي التوقيع على الأوامر. “مرسوم بشأن تعليمات الأمن (نصٌّ موحّد) يهودا والسامرة رقم 1651″، من قِبَل “الوحدة الإقليمية للمراقبة” وفيه “إنذار بشأن ضرورة الإخلاء من منطقة مغلقة استنادا إلى إصلاحيتي المخوّلة لي بموجب المادتيْن 262 و -318 من المرسوم بشأن تعليمات الأمن”.مراسيم، مواد، صلاحيات وتعليمات حيث يوجد الكثير في كتاب القوانين الخاص بالاحتلال. ويسري هذا المرسوم بموجب قانون ونظام. القانون والنظام اللذان قررهما الاحتلال. يسري فقط على غير اليهودي، في الغور كما في كل مكان آخر من الأراضي المحتلّة .ويمرّون يوم الإخلاء ثانية من خيمة إلى أخرى، ليتأكدوا من خروج الجميع، ويروي تركمان أنهم يعرفون كل عائلة وكم إبنا بها. يعدّون الذين يخرجون من البيوت وأحيانان يُبْدون ملاحظة أنه ثمّة ولد ناقص. وحين تنتظم القافلة، واحد وراء الآخر، يخرجون ويبتعدون عددا من الكيلومترات عن المخيّم حتى ينتشرون، كل عائلة تذهب لمصيرها. وتبقى الأغنام والأملاك في الخلف.أحيانا يأخذون الغنمات الطاعنة في العمر، لكن الحُمْلان الصغيرة، حيث من الصعب خضخضتها، تبقى في الخلف وتحتاج إلى مَنْ يهتم بها. أحيانا يتسلّل أحد الفتيان عائدا إلى الموقع، بعيدا عن عيون الجنود، كي يحرس الأغنام والأملاك. وقد ضُبِط في الإخلاء الأخير أحد الأشخاص عائدا إلى خيمته فكان عقابه: أفرغوا صهريج الماء الخاصّ به، في المخيّم. وأحيانا يترك الجنود بعض الذخيرة الحيّة التي تشكّل خطرا على الرعاة. في شهر يوليو/تموز قُتل الراعي الشاب، عودي نواجعه، ابن أل – 16 سنة. أمام أخيه في المَرْعى.وهذا ما كان في الأسبوع الماضي، في 26 ديسمبر كانون الأول: حوالي الساعة 11:30 صباحا جاءت الدبابات من جهة قرية بردله، جنوبي بيسان. يروي المحقق دراغمه الذي تواجد في المكان في نفس الوقت، إن حوالي 70 دبابة، وجرافتَيْن، وعِدّة سيارات جيب وجنود مشاة. وكان معهم موظفو الإدارة المدنيّة وموظفو سلطة حماية الطبيعة.حوالي الساعة 11:50 وصلت سيارتا جيب إلى الموقع، إحداهما عسكرية والثانية تابعى للإدارة المدنيّة، بدأ الجنود وموظفو الإدارة المدنيّة بالمرور من خيمة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى، وإخراج الأهالي خارج الخيام، وطردهم من بيوتهم. سألوا تركمان الذي أخرج خمسة أولاد أين السادس. هذا الإبن موجود في جنين كما ورد.كان الجو باردا والأرض موحلة. سارت القافلة على الأقدام، استطاع ابن عمّ المختار، مثقال تركمان الهرب. بدأ موظفو الإدارة المدنية بالبحث عنه بالنواظير وحين وجدوه مختبأً في السهل أعادوه إلى القافلة. بعد السير لعِدّة كيلومترات تُرِكت القافلة وشأنها. بعضهم توجّه إلى القرية المجاورة، رابان، كان عليهم أن يتدبّروا أمرهم حتى الساعة السادسة صباحا من اليوم التالي، الساعة التي سُمِح لهم بالعودة بها إلى بيوتهم.صرّح الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي هذا الاسبوع لجريدة “هآرتس” أن الأمر يتعلق ب”منطقة نشيطة لإطلاق النار تابعة للجيش الإسرائيلي منذ عدّة سنوات، وعندما أُعْلِن عن المنطقة كمنطقة إطلاق نار لم يكن يسكن بها أحدٌ”. وأُضيف أيضا انه جرت في شهر ديسمبر/ كانون الأول في المنطقة تدريبات بالرصاص الحيّ لأغراض جاهزيّة واستعداد جيش الدفاع الإسرائيلي. وحسب القواعد المتبعة، وكي لا نعرِّض حياة الذين أقتحموا المكان بطريقة غير مشروعة للخطر، يُعْطى للماكثين في منطقة إطلاق النار إنذار مُسْبَق للخروج من المكان في الأوقات التي تُجْرى فيها التدريبات العسكرية”.