يسود تخوف في إسرائيل من اتساع ظاهرة مقاطعة المستوطنات، وخاصة مقاطعة الشركات الاقتصادية التي تعمل في المستوطنات، وأن تتأثر من ذلك مكانة إسرائيل في العالم ونشاطها السياسي والاقتصادي. لكن المقترحات المطروحة في إسرائيل لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبله العالم، لأنها لا تدعو إلى إنهاء الاحتلال ولا إلى وقف الاستيطان أو الممارسات العنصرية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وتقود إلى نظام أبرتهايد.
ويأتي هذا التخوف، الآن، في أعقاب مصادقة مجلس النواب الإيرلندي، في 24 كانون الثاني/يناير الماضي، على مشروع قانون يفرض قيودا على العلاقات الاقتصادية مع المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967. كذلك صادق مجلس النواب التشيلي، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على مشروع قرار يدعو الحكومة التشيلية إلى إعادة النظر في اتفاقيات سابقة مع إسرائيل وإصدار تعليمات مفادها أن أية اتفاقيات مستقبلية ستشمل التعامل مع حدود إسرائيل حتى العام 1967.
ويفرض مشروع القانون الإيرلندي حظرا على بيع منتجات وخدمات مصدرها في المستوطنات، واستيراد بضائع كهذه سيشكل مخالفة قانونية، وتدخلا في إنتاج موارد من أراض محتلة، وفرض غرامات وعقوبة السجن على مرتكبي هذه المخالفة. وكي يتم سن مشروع القانون بصورة نهائية ينبغي أن يمر بعدة مراحل تشريعية. واعتبر “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب في ورقة تقدير موقف صادرة اليوم، الثلاثاء، أن مشروع القانون الإيرلندي مخالف لسياسة الاتحاد الأوروبي الحالية، التي بموجبها الاتفاقيات مع إسرائيل لا تسري على الأراضي المحتلة عام 1967، وينبغي وضع علامات على منتجات المستوطنات.
ودعا مشروع القرار التشيلي الحكومة إلى وضع تعليمات لمواطنيها الذين يزورون المنطقة تقضي بعدم المساهمة في المشروع الاستيطاني أو التعاون مع انتهاكات القانون الإنساني الدولي. كذلك دعا مشروع القرار التشيلي إلى إقامة نظام يمنع استيراد تشيلي منتجات من المستوطنات.
واعتبر المعهد أنه تجري في إيرلندا وتشيلي منذ فترة طويلة “أنشطة معادية لإسرائيل، وتشمل أنشطة لصالح حركة BDS”. وبين الأنشطة التي ذكرها المعهد، توقيع 50 نائبا إيرلنديا ووزير على عريضة تطالب بفرض حظر على تجارة الأسلحة الإسرائيلية، وتعبير منظمة الطلاب القطرية الإيرلندية ومجلس بلدية دبلن عن دعمهم لـBDS، وبني الأخير لحملة ضد شركة HP. كما عبر الرئيس الإيرلندي، مايكل هيغنز، عن تأييده لنشاط حركة مقاطعة إسرائيل.
وأشار المعهد إلى أنه يعيش في تشيلي أكبر جالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط. وأعلن إقليم لوس ريوس، في جنوب البلاد، في نيسان/أبريل الماضي، أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتمارس نظام أبرتهايد، ودعا الحكومة إلى التنديد بالممارسات الإسرائيلية وإعادة النظر في اتفاقيات التعاون مع الجيش الإسرائيلي.
ولفت المعهد إلى أن “مبادرات لمقاطعة المستوطنات، التي مصدرها في أحيان كثيرة في انتقادات ضد السياسة الإسرائيلية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، تعبر عن تضامن مع النضال الفلسطيني وهي مقبولة في أوساط جماهير كثير في أنحاء العالم، ولكنها تسمح لحركة BDS، التي تحاول تقويض شرعية دولة إسرائيل، بتجنيد منتقدي سياسة إسرائيل للنضال ضد هذه السياسة. وفي هذا الواقع غير الواضح، لا تفرق إسرائيل أيضا، في أحيان كثيرة، عن قصد ومن دون قصد، بين الذين ينتقدون سياستها وبين أولئك الذين ينفون وجودها ويعملون من أجل تقويض شرعيتها”.
احتمالات اتساع مقاطعة إسرائيل
اعتبر المعهد أن تأثير القرارين الإيرلندي والتشيلي الأخيرين “ليسا مهمين”، وأشار إلى أن الحكومة الإيرلندية الضيقة أعلنت معارضتها لمشروع القانون المذكور أعلاه، وأن مسألة التجارة هي ضمن صلاحيات الاتحاد الأوروبي، ولذلك فإن احتمال المس المباشر بالصادرات الإسرائيلية “ضئيل جدا”. إلى جانب ذلك، فإن حجم صادرات البضائع الإسرائيلية إلى إيرلندا صغير، وبلغ 105.6 ملايين دولار من أصل صادرات إسرائيلية بمبلغ 62 مليار دولار في العام الماضي. وبحسب المعهد، فإن مشروع القانون الإيرلندي “يركز على منتجات المستوطنات، فيما جلّ إنتاج المصانع الإسرائيلية في يهودا والسامرة موجه إلى السوق الإسرائيلية المحلية وليس للتصدير”.
رغم ذلك، حذر المعهد من أنه “قد يتضح في الأمدين المتوسط والبعيد أن تأثير الاقتراحين (الإيرلندي والتشيلي) قد يكون كبيرا. ويُبرز الاقتراحان انعدام الشرعية التي تنسبها دول عديدة للنشاط الإسرائيلي في يهودا والسامرة وتشدد على استعدادها المتزايد لاتخاذ خطوات حقيقية ومتشددة ضدها وحتى أنها تمنح دعما للجهات التي تدفع نزع الشرعية عن دولة إسرائيل”.
وأضاف المعهد أن المصادقة نهائيا على الاقتراحين، “وفي خلفيتهما التقارير حول نشر متوقع لـ’قائمة سوداء’ للشركات التي تعمل في المستوطنات من جانب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من شأنه أن يمنح نشطاء المنظمات المعادية لإسرائيل حافزا على دفع حملات مشابهة في دول أخرى وهيئات مختلفة، وبينها ذات أهمية أكبر بالنسبة لإسرائيل كما أن من شأنها أن تقود إلى تبني قرارات أخرى خطيرة جدا. وإلى جانب ذلك يتصاعد التخوف من أن قرارا رسميا بشأن مقاطعة منتجات المستوطنات قد يشجع مقاطعة رسمية أو غير رسمية لشركات إسرائيلية مرتبطة بالأنشطة الاستيطانية، مثل تقييد أنشطة البنوك الإسرائيلية التي منحت قروض إسكان للسكان والمصالح التجارية”.
كذلك حذر المعهد من أن المصادقة على الاقتراحين قد يدعم مقترحات أخرى، وبينها “تغيير سياسة الاتحاد الأوروبي ودول أخرى تجاه المستوطنات، نشر ’قوائم سوداء’ أخرى، إلغاء استثمارات أجنبية في شركات إسرائيلية، الامتناع عن نشاط تجاري في إسرائيل، وحتى فرض عقوبات وقيود على كيانات إسرائيلية وجهات تعمل معها”.
مواجهة المقاطعة
رصدت الحكومة الإسرائيلية 200 مليون شيكل من أجل محاربة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها (BDS)، وأقامت وزارة الشؤون الإستراتيجية لهذه الغاية، والتي يتولاها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان. وفيما يصرح إردان أنه حقق نجاحات في محاربة المقاطعة، إلا أن تقرير المعهد يقود إلى الاستنتاج بأن لا أساس من الصحة لمزاعم إردان، وأن نشاط الوزارة المستحدثة حقق فشلا ذريعا، والميزانيات التي رُصدت له ذهبت هباء.
وأوصى المعهد بأن تتخذ الحكومة الإسرائيلية عدة خطوات من أجل منع تأثير الاقتراحين الإيرلندي والتشيلي، ومقترحات أخرى مشابهة:
أولا: “في المستوى الواسع، استئناف الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين، أو على الأقل إظهار رغبة واضحة بذلك تجاه المجتمع الدولي، من شأنه أن يقلص الدعم لدعوات مقاطعة منتجات المستوطنات وخطوات مختلفة تجاه إسرائيل، وحتى أنه سيمكن صناع القرار في دول ومنظمات دولية التي تتعالى فيها دعوات للامتناع عن تطبيقها. وبالطبع، فإن رد الفعل الإسرائيلي المستقبلي على ’صفقة القرن’، لدى طرحها، يتوقع أن يؤثر على التعامل الدولي مع إسرائيل في هذا السياق”.
ثانيا: “سواء من خلال خطوة سياسية واسعة أو بمعزل عنها، من شأن دفع نشاط اقتصادي مشترك لإسرائيل والفلسطينيين أن يسمح للاعبين المختلفين في الحلبة الدولية بقنوات تدخل وتأثير وتعاون تكون بديل جذاب للمقاطعة ووسيلة مناعة منها في إطار الإجراءات الدبلوماسية والإعلامية من أجل منعها”.
ثالثا: “ينبغي العمل بشكل عيني مع مشروعي القانون. وفي إيرلندا، يُنصح بإجراء حوار مع الحكومة من أجل التيقن أنها تعارض فعلا مشروع القانون وتعمل على إلغائه أو تأخير ملموس لإجراءات تشريعه، وتليين صيغته أو الامتناع عن تنفيذه. والاعتماد على سياسة الاتحاد الأوروبي بخصوص التجارة مع إسرائيل من شأنه أن يساعد في تحييد طبيعة مشروع القانون الملزمة. وفي موازاة ذلك، ينبغي دراسة سريان مشروع القانون على ضوء اتفاقيات التجارة الدولية المختلفة، الملتزمة بها إيرلندا وإسرائيل”.
وأضاف المعهد فيما يتعلق بمشروع القرار التشيلي، أنه “على الرغم من أنه ليس ذا مكانة ملزمة، إلا أن مشروع القرار التشيلي قد يستخدم كنقطة انطلاق لقرارات متشددة أكثر، ولذلك ينبغي التيقن (من خلال اتصالات) مقابل حكومة تشيلي أنها لن تتخذ خطوات بروح مشروع القرار. وفي موازاة ذلك، ينبغي إجراء حوار مقابل الجهات في مجلس النواب، بحيث أنه حتى لو لم يؤدِ تحييد الدعم للفلسطينيين إلى فائدة، فعلى الأقل بإمكانه تقليص مكانتها”.
رابعا: “تركيز جهد في رصد غايات وحلبات النشاط المقبل لنشطاء منظمات نزع الشرعية سيسمح بمنع أو تليين مقترحات أخرى في مراحلها المبكرة وقبل أن تحظى بتأييد أو نشر. وفي هذه الحالة، ينصح بالتركيز على مؤسسات الاتحاد الأوروبي من أجل منع تغيير محتمل في سياسته واتخاذ قرارات بروح مشروع القانون الإيرلندي، وذلك بواسطة حوار مع المفوضية الأوروبية وتجنيد الدول الداعمة لإسرائيل من أجل التأثير على سياسة الاتحاد في هذا السياق”.