كشف تقرير أعده المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، أن الكنيست العشرين سجّل زيادة بنسبة 583% في التشريعات العنصرية والتمييزية والداعمة للاستيطان مقارنة بالكنيست الـ17، وزيادة بنسبة 437% مقارنة بالكنيست الـ18 التي ترأس بنيامين نتنياهو خلالها أيضا الحكومة.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها “مدار”، في مدينة رام الله، لاستعراض مضامين التقرير، حيث اعتبر المشاركون أن تحليل حصيلة التشريعات يكشف انحداراً إسرائيلياً عميقاً نحو اليمين الأشد تطرفاً، الأمر الذي لا يكشفه كمّ التشريعات فقط، إنما نوعيتها ومضامينها المتركزة على العنصرية من جهة شرعنة التمييز بين المواطنين في حدود الدولة، وشرعنة سرقة الأرض والقتل وتجاهل معايير حقوق الإنسان والقوانين الدولية في الأراضي المحتلة بشكل عام.
وقالت المدير العام لمركز “مدار” هنيدة غانم: إن تقرير القوانين مهم وجدير بالاطلاع لأنه يستعرض عمليا، كيف حاول اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، ومعه حكومة اليمين الاستيطاني، تحقيق الأيديولوجيا اليمينية العنصرية التوسعية من خلال التشريعات، فالتقرير أظهر حالة التوحش والتغول، من أجل تغيير الوقائع على الأرض، وتغيير البنية من خلال سن القوانين.
وأشارت إلى أن الجدل عشية الانتخابات للكنيست الـ21 لا يدور بأي حال حول قضايا سياسية من نوع الخط الأخضر أو حل الدولتين، إنما حول هوية اليمين، ما بين “شعبوية” نتنياهو من جهة وأوساط يمينية ووسطية تخشى من ذهابه بعيدا في التخلي عن جوهر الدولة كما أسّس لها بن غوريون تحت مسمى “المملكاتية”، من جهة أخرى.
واعتبر معدّ التقرير برهوم جرايسي أن الذروة التي تم تسجيلها في الولاية المنتهية، تضع قاعدة متينة لتسجيل ذروة أشد خطورة مما رأيناه حتى الآن، فمحركات هذه التشريعات بقيادة بنيامين نتنياهو، وقطيع من نواب اليمين الاستيطاني، قد ضمنوا مقاعدهم في الولاية المقبلة، وبالتأكيد ستنضم لهم عناصر أشد شراسة منهم.
وقال في استعراض لمعطيات التقرير: إنه في الولاية المنتهية، عالج الكنيست 221 قانونا ضمن هذا الإطار، من بينها 35 قانونا أقرت بالقراءة النهائية، إضافة إلى 6 قوانين تم دمجها كبنود في أربعة من هذه القوانين، ما يعني عمليا أنه تم سن 41 قانوناً. كما بقي على جدول أعمال الكنيست قانونان في مرحلة القراءة الأولى، وهما مرشحان لاستمرار تشريعهما في الولاية البرلمانية الجديدة، في حين أن القوانين الـ23 التي أقرت بالقراءة التمهيدية، وبقيت عند هذه المرحلة من مسار التشريع، تعكس أكثر طابع التركيبة البرلمانية، وهذا ما يتعزز أكثر من خلال قراءة 155 مشروع قانون أدرجت على جدول الأعمال ولم تدخل مسار التشريع.
وأضاف: إنه من باب المقارنة، فقد تمّ في الولاية الـ17 للكنيست إبان فترة حكومة “كاديما” برئاسة أيهود أولمرت، إقرار 6 قوانين، وفي الولاية التالية الـ18، في فترة حكومة بنيامين نتنياهو، تم إقرار 8 قوانين، وفيما عدا الزيادة الكمية في المشاريع والقوانين، تحمل بعض القوانين التي تم إقرارها في الدورة العشرين ثقلا نوعيا وتشكل مؤشرا استراتيجيا إلى وجهة إسرائيل القريبة والبعيدة.
وفي هذا الإطار، يُعدّ قانون القومية من جهة، و”قانون التسويات” لنهب وسلب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة لصالح الاستيطان، من القوانين النوعية التي سنتها الكنيست، ويهدف القانونان إلى تحصين الفوقية اليهودية وتعزيز خطط الضم ودعم الاستيطان.
وأوضح جرايسي أن كثيرا من القوانين التي بدأ العمل عليها مشاريع قوانين تم إدراجها في ولايات برلمانية سابقة، وكانت التقديرات لقسم منها، أنها لن تدخل إلى مسار التشريع، استناداً لما لاقته من معارضة في ولايات برلمانية سابقة، حتى في أوساط اليمين، وبالذات الليكود.
وختم جرايسي: لكن التغول الأكبر في هذه القوانين، بمعنى التجرؤ على سن قوانين في غاية الخطورة، بدأ فورا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، في أوائل شهر تشرين الثاني 2016؛ مثل قوانين تتعلق بالقدس المحتلة، وقوانين ضم الضفة، وآخرها قانون القومية العنصري، الذي مكث في أروقة البرلمان الإسرائيلي 7 سنوات، ومرّت عليه ثلاث ولايات برلمانية حتى تم إقراره كليا.
وقدّم الكاتب والمحلل أنطوان شلحت، في مداخلته عرضا موجزا للمشهد الحزبي- السياسي في إسرائيل على أعتاب انتخابات الكنيست القريبة، أشار فيه إلى أن هذه الانتخابات تجري بصورة رئيسة بين اليمين الإسرائيلي، خاصة بين اليمين القديم وبين ما اصطلحنا على تسميته اليمين الجديد، الذي يدمج بين تصورات قوموية مقطوعة عن مقاربات ذات طابع ليبرالي رفع رايتها اليمين التقليدي، وبالأساس فيما يخص الشأن المدني، وبين توجهات دينية ترى في الدين جزءا لا يتجزأ من منظومة فكره. وأمسى واضحا أن هذا اليمين الجديد يعمل على ضم الأراضي المحتلة منذ 1967، وعلى الصعيد الداخليّ يكره دولة الرفاه وحركة الاحتجاج الاجتماعي، ويسعى لاستيراد الأفكار المحافظة الأميركية وتطبيقها.
وأضاف: انه من ناحية عملية لم يعد هناك اليوم في المشهد السياسي الإسرائيلي شيء اسمه “يسار”. فهذا المشهد يحتوي مكونا يمينيا مهما، ومكونا وسطيا يفتقر في جوهره إلى أيديولوجيا أو رؤية معينة، ومكونا هزيلا يسمي نفسه يسارا، وهو في جوهره يسار سياسي لا توجد بينه وبين مصطلح “يسار” أي صلة أو علاقة.
وختم: ان اليسار الإسرائيلي كان “معسكر سلام”. لكنه أوضح أنه حتى “معسكر السلام” هذا لم يعد قائما في الوقت الحالي.