رصدت الحكومات الإسرائيلية نسبة مرتفعة جدا من الموارد للمستوطنات في الضفة الغربية، ولا تضاهيها أي منطقة داخل “الخط الأخضر”، بهدف جعل المستوطنات تتمتع بجودة حياة مرتفعة جدا، غير موجودة في الغالبية الساحقة من المدن والبلدات داخل “الخط الأخضر”، باستثناء المدن الـ15 الأقوى اقتصاديا ومعظمها في وسط إسرائيل وخاصة في منطقة تل أبيب.
ويشدد عالم الاجتماع الإسرائيلي والباحث في مركز “أدفا – للمساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل”، يارون هوفمان، على أن السكن في المستوطنات هو الخيار الوحيد للعيش بمستوى طبقة وسطى، ودولة رفاه، حتى لو كان دخل الفرد متدنيا. وأضاف في مقابلة معه نشرتها صحيفة “هآرتس”، نهاية الأسبوع الحالي، أنه “لا توجد إمكانية داخل الخط الأخضر لجودة حياة كهذه بمستوى دخل كهذا”.
وأشار هوفمان إلى أن “السياسة النيوليبرالية داخل الخط الأخضر، تسمح بدولة رفاه ومستوى حياة أفضل في المستوطنات. وهذا التفضيل للمستوطنات يضمن أن تبقى مدن التطوير، وبينها البلدات العربية بالطبع، التي تحتاج إلى تحسين كبير بجودة الحياة فيها، ضعيفة اقتصاديا واجتماعيا”.
والشعار المستخدم للترويج إلى السكن في المستوطنات هو أنها “على بعد خمسة دقائق من كفار سابا”، في وسط إسرائيل، يخاطب الناس، الذين يسكن أو سكن قسم كبير منهم في بلدات التطوير الفقيرة، ويقول لهم، وفقا لهوفمان، إنه “إذا أردتم تجسين مستوى حياتكم، فانتقلوا للسكن في المستوطنات. ولن تحصلوا على هذه الخدمات وجودة الحياة في البلدة التي تسكنوها”. وتابع أنه “داخل دولة إسرائيل توجد سياسة موازنة نيوليبرالية، والميزانيات الحكومية وتدخل الحكومة يتقلص في مشاريع البنية التحتية والبناء، لكن هذه السياسة تتوقف عند الخط الأخضر. ففي المستوطنات يستمر ضلوع الحكومة بشكل مباشر في تخصيص الأراضي، تطوير البنية التحتية، شق الشوارع، إقامة مناطق صناعية، وإقامة مستوطنات توصف بأنها ’بلدات جودة حياة’، وفي دعم بناء المساكن. وهذه السياسة تؤدي إلى زيادة هائلة في عدد المستوطنات ومساحاتها، بحيث أنه خلال التسعينيات تضاعف عدد السكان في المستوطنات”. وأوضح هوفمان أن “جهاز التعليم في المستوطنات يحصل على موارد أكثر من غيره، والغرف الدراسية بوضع أفضل، وليست مكتظة، ودروس الإثراء أكثر، إلى جانب إضافة معلمين ومساعدي معلمين. ويتم دفع برامج صحية مختلفة وعيادات الأم والطفل أكثر”. وهناك فوارق كبيرة لصالح المستوطنات في الميزانيات التي تحولها الحكومة إلى السلطات المحلية. “وهي تدل على أجندة قومية وعلى تفضيل سياسي تمارسه الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين”. وأوضح هوفمان أن الحكومة ترصد ميزانيات للسلطات المحلية من خلال قناتين. الأولى هي “هبات التوازن” التي تحول إلى السلطات المحلية التي لا تتمكن من تمويل نفسها. “وقد اكتشفنا أنه بشكل دائم ومتواصل، منذ سنوات كثيرة، المستوطنات تحصل على هبات الموازنة الأعلى للفرد. والمستوطنات تتلقى أكثر من البلدات العربية، حيث مشكلة جباية الأرنونا هي الأشد، وأكثر من بلدات التطوير”.
والقناة الثانية التي ترصد الحكومة من خلالها ميزانيات للسلطات المحلية هي “مشاركة خاصة”. وأوضح هوفمان أنه “خلافا لهبات الموازنة، التي تنفقها السلطة المحلية وفقا لاعتباراتها، فإن هذه الأموال لها غاية معينة. والمستوطنات تحصل على نسبة أعلى من غيرها، ولذلك تتمتع بمستوى إنفاق على الفرد مشابه للمدن القوية اقتصاديا داخل إسرائيل، بالرغم من أن دخل الفرد في المستوطنات أدنى بشكل كبير”.